وقبل الإضاءة على عمل السفارات والهيئات الدبلوماسية ومهامها، لا بدَّ من التوقف عند التطورات المتسارعة في التصعيد بين روسيا والغرب. السفير الروسي لدى أستراليا غريغوري لوغفينوف (Grigory Logvinov) حذّر من عودة قوية للحرب الباردة التي وتّرت العالم لعقود من الزمن إذا ما استمر التصعيد ضد بلاده. ونفى السفير الروسي أن يكون الدبلوماسيان اللذان قررت أستراليا طردهما جاسوسيْن، أو أن يكون أيُّ دبلوماسي في سفارته جاسوساً.
يأتي هذا الموقف فيما بلغ عدد الدبلوماسيين الروس المطرودين بتهمة التجسس من قبل دول متضامنة مع بريطانيا 132 دبلوماسياً من 20 بلداً وذلك وفقاً للجدول التالي:
- من أستراليا دبلوماسيان.
- من بريطانيا 23 دبلوماسياً.
- من الولايات المتحدة 60 دبلوماسياً مع إقفال القنصلية الروسية في سياتل.
- من كندا 4 دبلوماسيين إضافةً إلى رفض طلبات 3 آخرين.
- من أوكرانيا 13 دبلوماسياً.
- من ألمانيا، بولندا وفرنسا 4 دبلوماسيين من كل بلد.
- من ليتوانيا وتشيكيا 3 دبلوماسيين من كلٍّ منهما.
- من إيطاليا، هولندا، الدانمارك وألبانيا دبلوماسيان من كلٍّ منها.
- من السويد، كرواتيا، رومانيا، فنلندا، لاتفيا وإيستونيا دبلوماسي روسي من كل بلد.
وفي عودة إلى نفي السفير الروسي لدى أستراليا وجودَ جواسيس في عِداد الجسم الدبلوماسي العامل في سفارته، تساءل عددٌ من المراقبين عمّا إذا كان السفير جدياً في كلامه، أم أنه يقصد أن الدبلوماسيين الروس في أستراليا لا ينتهكون القوانين المهنية التي من المفترض بالدبلوماسيين عموماً أن يلتزموا بها مثل عدم الاعتداء على أيّ شخص في البلد المضيف وعدم اللجوء إلى القوة أو التخريب في أي ظرف كان.
بالنسبة إلى هذا الشق من الموضوع، لا شك أنه لم يُسجّل أي اعتداء في أستراليا من قبل البعثة الدبلوماسية الروسية الحالية. أما بالنسبة إلى الشق المتعلق بعمل الدبلوماسيين، فالوضع يختلف.
في الواقع، الأمن القومي لكل بلد يقوم على ثلاث ركائز رئيسية وهي: الدفاع، الاقتصاد والسياسة الخارجية. وتعتمد هذه الركائز الثلاث على قوة الانتشار الدبلوماسي في الخارج وفعالية السفارات في رفع تقارير إلى حكوماتها عن كل ما تريد معرفته عن البلد الذي تعمل فيه. من هنا يتداخل العمل الدبلوماسي مع العمل الاستخباراتي في كثير من الأحيان. حتى أن البعض يرى على سبيل المثال أن السفير، أيّاً كان، يشرعن من خلال دوره العمل الاستخباراتي.
ويكفي الإضاءة على عمل الجسم الدبلوماسي لتأكيد شيء من هذه المقولة:
- مهمة السفير الرئيسية رفع تقارير عن الأوضاع في البلد الذي يمثّل وطنه فيه إلى حكومته على أن يضمّنها المواقف العلنية والسرية، من خلال معلومات يجمعها من وسائل الإعلام أو من لقاءاته الخاصة أو من استقصاءات يقوم بها شخصياً أو يقوم بها أعضاء الجسم الدبلوماسي العامل معه.
- إحدى المهمات الرئيسية للقنصل جمع معلومات عن أفراد جالية وطنه في البلد الذي يعمل فيه ورفع تقارير عنها إلى رئيسه الذي غالباً ما يكون السفير نفسه أو أحد المسؤولين في وزارة الخارجية.
- مهمة الملحقين على اختلاف حقولهم جمع معلومات عن مجال اختصاصهم ورفع تقارير بها.
من هنا يتساءل البعض: لماذا كل هذه الضجة عن الدبلوماسيين الروس طالما أن كل سفارة في العالم وبعثة دبلوماسية موجودة أساساً لجمع المعلومات بالدرجة الأولى. هل للأمر علاقة بصعود قوة روسيا في السنتين الأخيرتين مع ما يعنيه هذا الصعود من إعادة العالم إلى نظام القطبين المتساويين في القوة والردع؟