تحتفي أستراليا كل عام بأسبوع المصالحة الوطنية الذي أطلقته أستراليا لتعزيز الفهم والاعتراف بالماضي الصعب الذي عاشه السكان الأصليون ومعاناتهم وكيفية التعايش مع هذا الإرث العصيب للأجيال الحالية والقادمة.
النقاط الرئيسية
- مابو أحد رموز السكان الأصليين بجزيرة مير في مضيق توريس
- كافح مابو من أجل الاعتراف بسيادة السكان الأصليين على أراضيهم
- حكمت المحكمة العليا لصالحه في 3 حزيران/يونيو 1992 فيما عُرف بـ "قرار مابو"
تحت عنوان "ربط الحاضر بالمستقبل"، انطلقت فعاليات أسبوع المصالحة الوطنية في 27 مايو/أيار الماضي وتُختتم اليوم بذكرى مابو في يوم 3 يونيو/حزيران. ولكن من هو مابو؟

Source: Kristian Dowling/Getty Images
ولد إيدي مابو عام 1936 في مير، التي تُعرف أيضًا باسم جزيرة موراي في مضيق توريس.
كان إيدي "كويكي" مابو من سكان جزر مضيق توريس، وكان يعتبر أن القوانين الأسترالية بشأن ملكية الأراضي وضمها للدولة مجحفة وتعهد بالمحاربة لتغييرها.
لم يكن مابو يعلم أنه سيسهم في كتابة تاريخ جديد لأستراليا، حيث ترترع في جزر مضيق توريس حيث كانت الحياة منظمة بشكل صارم من خلال القوانين التي وضعتها حكومة كوينزلاند آنذاك.

صورة أرشيفية نادرة لمابو على جزيرة مير بمضيق توريس Source: NATIONAL ARCHIVES OF AUSTRALIA
في عام 1981، ألقى إيدي مابو خطابًا في جامعة جيمس كوك في كوينزلاند شرح قيه معتقدات شعبه بشأن ملكية ووراثة الأرض على جزيرة مير.

صورة نادرة لمابو أثناء إلقاء المحاضرة التاريخية في عام 1981 Source: SBS
ثلاثون عاما من النضال
لكي نفهم قضية مابو، لا بد لنا أن نعود للوراء قليلاً، وتحديداً إلى يوم 26 يناير/كانون الثاني في عام 1788 مع وصول الاسطول الأول من بريطانيا بقيادة الكابتن أرثر فيليب إلى سواحل سيدني وإعلان بدء المستعمرة الأولى نيو ساوث ويلز.

لحظة وصول الأسطول الأول إلى سواحل سيدني في عام 1788 Source: ABC
على الرغم من وجود سكان أصليين على هذه الأرض، إلا أنه لم يتم النظر إليهم على انهم أصحابُها وتم اعتبارهم جزءاً منها وفقاً لما عرف حينها بقانون الطبيعة أو (Fauna and flora Act).

صورة أرشيفية لأحد مخيمات السكان الأصليين في مطلع الفرن التاسع عشر Source: Getty Images
تحمس مابو بعد اقتراح المحامي ورفع دعوى قضائية أمام المحكمة الأسترالية العليا ضد حكومة كوينزلاند لفض نزاع ملكية تلك الأرض وأحقية شعب السكان الأصليين بها.

Eddie Koiki Mabo and his legal team Source: National Museum of Australia
قرار تاريخي وشعب بلا أرض
عاش السكان الأصليون وسكان جزر مضيق توريس في أستراليا لمدة تتراوح بين 40 ألف إلى 60 ألف سنة قبل وصول البريطانيين في عام 1788.
تحدثوا بلغاتهم الخاصة وكانت لهم قوانينهم وعاداتهم. وكان لديهم أيضًا ارتباط قوي بـ "الوطن" - الأرض الأسترالية.

طقوس ومراسم السكان الأصليين في أستراليا منذ 60 ألف عام Source: NITV
نتيجة لذلك، لم يتم الاعتراف بامتلاك السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس للأرض وارتباطهم الفريد بها، واستولى البريطانيون عليها دون اتفاق أو دفع ثمن لاستملاكها.
استمرت قضية مابو لمدة 10 سنوات. وفي 3 حزيران/يونيو 1992، قررت المحكمة العليا في أستراليا أنه لا ينبغي تطبيق مفهوم (الأرض المشاع) على أستراليا.
أقر هذا القرار بأن السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس لهم حقوق في الأرض - وهي حقوق كانت موجودة قبل وصول البريطانيين ولا تزال موجودة حتى اليوم.

صورة من قرار المحكمة العليا والشهير بقرار "مابو" والذي صدر في عام 1992 Source: AAP
كما أدى لقيام البرلمان الأسترالي بإقرار قانون ملكية السكان الأصليين في عام 1993.
لم يعش إيدي مابو ليرى ثمار نضاله في وجه الحكومة الأسترالية، حيث توفي في يناير/كانون الثاني 1992، أي قبل خمسة أشهر فقط من اتخاذ المحكمة العليا قرارها.

ضريح مابو في جزيرة مير بمضيق توريس Source: Supplied
قانون ملكية السكان الأصليين الذي أقره البرلمان يعني الاعتراف القانوني بأن بعض السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس لديهم حقوق ومصالح في أراضي معينة بسبب قوانينهم وأعرافهم التقليدية.
الحقوق الممنوحة بموجب سند الملكية للسكان الأصليين لها ضوابط معينة، حيث تعتمد على القوانين والأعراف التقليدية للأشخاص الذين يطالبون بحق الملكية.
وتعتبر مصالح الأشخاص الآخرين أو حقوقهم في الأرض ذات الشأن مهمة أيضا، وعادة ما يكون لها الأسبقية على سند ملكية السكان الأصليين.

مابو رفقة محاميه في احدى جلسات المحاكمة في عام 1989 Source: National Archive of Australia
ويجوز منح السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس الحق في العيش على الأرض، والوصول إلى المنطقة للأغراض الدينية والتقليدية، وزيارة وحماية الأماكن والمواقع الهامة، واصطياد أو جمع الأغذية أو الموارد التقليدية على هذه الأرض، أو تعليم قوانين وعادات السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس على الأرض، كما يمكن أن يشمل الحق في امتلاك وإشغال مساحة من الأرض أو المياه في تلك المنطقة.

أحد الملاك التقليديين يفوز بنزاعه القضائي مع حكومة كوينزلاند وينجح باسترداد جزيرة مورتون إلى عائلته Source: AAP
يُعد قانون حق الملكية الأصلية أمرًا مهمًا لأن نزع الملكية والحرمان من الأراضي كان أول اعتداء في العلاقة بين السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس والأوروبيين، ورسم الأحداث التي تلت ذلك.
اليوم وبعد أكثر من ثلاثين عاماً من القرار الشهير، تم الاعتراف بحق ملكية السكان الأصليين لأكثر من مليوني كيلومتر مربع من الأراضي.

جانب من احتفالات اسبوع المصالحة الوطنية في كوينزلاند بعام 2002 Source: DIG
وتلعب هذه الاتفاقيات دورًا مهمًا في تفعيل حق الملكية الأصلية لجميع الأستراليين.
ويوجد حاليًا 967 اتفاقية مسجلة لاستخدام الأراضي الخاصة بالسكان الأصليين.

مظاهرة احتجاجية للسكان الأصليين خارج مقر البرلمان في كوينزلاند اعتراضا على مشاريع للتعدين في أراضي الملاك التقليديين Source: NITV
في ختام أسبوع المصالحة الوطنية، لا تزال أستراليا تحاول التصالح مع قضايا الماضي التي تلقي بظلالها على حاضر ومستقبل هذا البلد. ولذلك اختارت مؤسسة المصالحة الوطنية الأسترالية عنوان "كن شجاعا واصنع التغيير" للاعتراف بالحاجة لمواصلة الجهود من كافة الأطراف لتحقيق التفاهم في المجتمع الأسترالي.
وتقول المؤسسة على موقعها الالكتروني في احتفالها بالأسبوع الوطني "لأكثر من 25 عاماً، كان أسبوع المصالحة الوطنية (NRW) مناسبة لجميع الأستراليين للتفكير فيما يمكنهم فعله لتعزيز المصالحة الوطنية".
Source: Ramy Aly