يُطلق بعض الأستراليين على أنفسهم لقب «Overemployed»، فهم الذين يعملون في وظائف عدة بدوام كامل في الوقت نفسه، وغالبًا من دون علم أصحاب العمل. ورغم المكاسب المالية الكبيرة التي يحققونها، إلا أن العمل لساعات طويلة والانتهاك المتكرر لقواعد الشركات يأتي بتكاليف جسدية ونفسية باهظة عليهم.
السيدة أش تمكنت من العمل في سبع وظائف في وقت واحد، أربعة منها بدوام كامل، خلال السنوات الخمس الماضية، حيث كانت تعمل أحيانًا حتى 20 ساعة يوميًا طوال الأسبوع. وكان جدولها اليومي مليئًا بالفوضى، إذ تبدأ يومها في الساعة الرابعة صباحًا بتفقد بريدها الإلكتروني، تليها وجبة إفطار سريعة أثناء العمل، ثم تتجه لمكتبها الحكومي من التاسعة صباحًا حتى الخامسة مساءً، مع أداء بعض مهام وظائفها الأخرى خلال الاستراحة والغداء وحتى أثناء القيادة للعودة إلى المنزل. وبعد تناول العشاء مع زوجها وأطفالهما، تعود للعمل حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، ثم تنام ثلاث ساعات فقط قبل أن تبدأ كل شيء من جديد. وتقول: لمواجهة تضارب المواعيد، كانت دائمًا جاهزة بالأعذار: «الأطفال، المرض، لا يوجد إنترنت، موعد عند الطبيب…». وأوضحت أن التحول بين المهام كان يحدث كل 20 دقيقة تقريبًا، مستفيدة من طبيعة عملها في قطاع التقنية التي تعتمد على تذاكر المهام، ما منحها وقتًا لأداء وظائف أخرى. ومع ظهور الذكاء الاصطناعي، أصبحت أكثر إنتاجية. وكانت المكافآت كبيرة، إذ قدرت أرباحها في أكثر سنواتها ازدحامًا بنحو 500 ألف دولار أسترالي، وفقًا لفواتير وكشوفات حساب مصرفية. وتوضح أش إلى أن هدفها هو دعم أسرتها وتجنب القلق حول دفع الفواتير. لكنها ليست الوحيدة؛ فهناك مجتمع عالمي متنامٍ من الأشخاص الذين يسعون لمضاعفة دخلهم بسرية، على الرغم من مخاطر هذا العمل.
دراسة وأرقام: تعدد الوظائف في أستراليا
وفقًا لمكتب الإحصاء الأسترالي، 6.5% من العاملين لديهم أكثر من وظيفة واحدة، ونسبة الذين يرغبون في العمل لساعات أقل بلغت نحو 25% من أصحاب الوظائف المتعددة. ومع ارتفاع أسعار المساكن في سيدني لأكثر من 1.7 مليون دولار، يرى البعض أن العمل في أكثر من وظيفة هو السبيل الوحيد للحفاظ على مستوى المعيشة.
مجتمع العمل المتعدد سرًا يسعى للحرية المالية
أكثر من نصف مليون شخص انضموا إلى منتدى Reddit المخصص للعمل المتعدد، تحت شعار: «اعمل وظائف متعددة، واحصل على الحرية المالية». يطلق أعضاء هذا المجتمع على أنفسهم لقب «Overemployed»، وهو نسخة معاصرة من مفهوم «العمل الليلي»، لكن مع العمل عن بُعد أصبح بالإمكان أداء أكثر من وظيفة في الوقت نفسه بدلًا من بعد ساعات العمل الرسمية.
ويتبادل الأعضاء النصائح لتجنب الانكشاف ويشاركون تجاربهم مع الإرهاق الوظيفي والطرد بعد اكتشاف أصحاب العمل لهم. ويؤكد معظمهم أنهم يفضلون الحفاظ على سرية هويتهم لتجنب ردود فعل سلبية.
إحدى الحالات الشهيرة الشهر الماضي، حيث تم كشف مهندس برمجيات إذ تم فصله في "وادي السيليكون" لتعدد وظائفه. فيما قال آخر إنه كان مهندسًا وضاعف دخله عبر أربع وظائف بدوام كامل. بالنسبة له، كان الأمر يتعلق بالحصول على دخل إضافي مبررا ذلك بقوله إنه نوع من التمرد على النظام التقليدي؛ فالمديرون التنفيذيون لديهم وظائف متعددة، فلماذا الالتزام بالقواعد.

More Australians than ever are working multiple jobs. Credit: Pexels / Peter Olexa
أشارت الدكتورة نيكول بلاك من جامعة موناش إلى أن طول ساعات العمل يؤثر سلبًا على الصحة العامة، بما في ذلك التغذية، الرياضة، والنوم. ورعاية الأطفال.
حتى من يعملون في وظائف بدوام كامل واحد قد يعانون من الإرهاق النفسي، خصوصًا إذا تجاوزت ساعات العمل ما يرغبون فيه، ما يزيد من احتمال الإصابة بالقلق والاكتئاب.
الجانب القانوني
وفقًا لمحامي العمل داني كينغ، السماح بالعمل في أكثر من وظيفة بدوام كامل يعتمد على عقد العمل الفردي. معظم العقود تنص على عدم الالتزام بأي وظيفة أخرى، لكن إذا استطاع الموظف إنجاز مهامه دون انتهاك العقد، فإن المخاطر القانونية محدودة.
للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.