مع تصاعد درجات الحرارة في أستراليا ومناطق عدة من العالم، يحذّر باحثون من أن الليالي الدافئة باتت تُقوّض نومنا بهدوء، في ظاهرة لها تداعيات عميقة على الصحة الجسدية والنفسية والرفاه العام.
بيانات من 165 مليون ليلة نوم
راسة دولية جديدة قادها خبراء النوم في جامعة فليندرز الأسترالية، حلّلت أكثر من 165 مليون ليلة نوم تخصّ أكثر من 317 ألف مستخدم لأجهزة تتبع النوم الذكية.وأظهرت التحليلات أنه عندما ترتفع درجة الحرارة الليلية من المعدل العالمي الوسطي (12 درجة مئوية) إلى 27 درجة، يفقد الإنسان ما بين 15 إلى 17 دقيقة من نومه في المتوسط.
ورغم أن هذا الرقم يبدو بسيطاً، إلا أن الباحثين لاحظوا أثراً أشدّ حين قاسوا احتمالية الحرمان من النوم الكافي. إذ وجدت الدراسة أن احتمال النوم لأقل من ست ساعات يزداد بنحو 40٪ في الليالي الحارة.
النوم ضرورة صحية و حاجة بيولوجية أساسية تتعرض للخطر
يقول الباحث باسيان ليشات من معهد أديلايد لصحة النوم أن"النوم ضروري للصحة الجسدية والعقلية، ونتائجنا تُظهر أن الحرارة المرتفعة تُقوّض هذا الاحتياج الحيوي بصمت".
ويضيف أن "الأمر لا يتعلق بالراحة فقط، بل يتصل أيضاً بالإدراك، والمزاج، ووظائف المناعة، والصحة العامة على المدى الطويل."
فقد ربطت دراسات عديدة نقص النوم المزمن بالاكتئاب، وتغيرات المزاج، وأمراض القلب، وضعف القدرات الإدراكية، وزيادة خطر الحوادث ومشكلات صحية أخرى.
وتؤكد الباحثة المشاركة باربرا توسون في حديثها إلى SBS News أن "التأثير ليس لحظياً فحسب، بل تراكمي، إذ ينعكس على الحالة المزاجية والمناعة والصحة العامة بمرور الوقت".
كما تشير إلى أن فقدان النوم الناجم عن الحرارة يصيب مختلف الفئات العمرية والاجتماعية، في كل المناطق والمناخات.
كيف نحافظ على نومنا؟
يوصي الخبراء بوسائل بسيطة لمواجهة الحرّ الليلي:
· استخدام المكيفات أو المراوح وأغطية خفيفة قابلة للتهوية.
· إبقاء النوافذ مفتوحة لمرور الهواء الليلي البارد،
· وإغلاق الستائر والنوافذ المواجهة للشمس خلال النهار لمنع ارتفاع حرارة الغرف.
كذلك يُنصح بـ "شرب الماء بانتظام، وتجنب الكافيين والكحول والوجبات الثقيلة قبل النوم".
أما على مستوى المدن والمجتمعات، فيقول الباحث داني إيكرت من جامعة فليندرز إن “الحلول يجب أن تكون حضرية وهيكلية أيضاً”، مضيفاً أن "تصاميم الإسكان المقاومة للحرارة، والأسطح الخضراء، وزراعة الأشجار، واستخدام مواد بناء عاكسة للحرارة يمكن أن تساعد في حماية السكان والنوم معاً."
تأثير غير متكافئ على الفئات الأقل دخلاً
تشير باربرا توسون إلى أن الدراسة اعتمدت على بيانات أجهزة تتبع النوم، وهي أدوات باهظة الثمن يملكها عادة سكان الدول الأكثر ثراءً، مما يعني أن الفئات منخفضة الدخل كانت ممثلة بدرجة أقل.
لكن الباحثة حذّرت من أن التأثير الفعلي قد يكون أشدّ على الفقراء والمجتمعات الهشّة، لأنهم يفتقرون إلى أدوات التبريد مثل المكيّفات أو الأسرّة المبرّدة.
وتدعم دراسات سابقة هذا الاتجاه؛ إذ أظهر معهد أستراليا للأبحاث العام الماضي أن الحرارة الشديدة تهدد بشكل أكبر سكان الضواحي البعيدة والمناطق الريفية، حيث يتركز كبار السن وذوو الدخل المحدود والمصابون بأمراض مزمنة.
وتُظهر بيانات المعهد الأسترالي للصحة والرعاية أن الحرارة الشديدة هي السبب الأول لدخول المستشفيات بسبب الطقس في البلاد.
نحو مستقبل أكثر سخونة وأقل نوماً
يتوقع الباحثون أن تزداد ظاهرة فقدان النوم مع ارتفاع درجات حرارة الكوكب، وأن تنعكس آثارها تدريجياً على الصحة العامة وجودة الحياة.
وتقول توسون في ختام حديثها "نأمل أن تُترجم نتائجنا إلى سياسات جادة لمعالجة تغير المناخ وتحسين تصميم المدن والمساكن والمساحات الخضراء، فهذه المشكلة ستطالنا جميعاً بلا استثناء."

