مع استمرار ارتفاع أسعار العقارات في مختلف أنحاء أستراليا، باتت الزيادة في العرض تُقدَّم كالوصفة السحرية لحل المشكلة، غير أن الواقع على الأرض يبدو أكثر تعقيداً.
ارتفاع قياسي في تراخيص البناء
تشير بيانات مكتب الإحصاءات الأسترالي إلى أن عدد الموافقات على بناء الشقق بلغ في أيلول/ سبتمبر الماضي 5430 وحدة، وهو أعلى مستوى منذ نحو ثلاث سنوات.
لكن مع التوسع في إعادة تصنيف الأراضي وبناء الأبراج السكنية العالية، بدأت الأسئلة تُطرح مجدداً: هل سيؤدي هذا فعلاً إلى خفض الأسعار؟
إعادة التصنيف ترفع الأسعار بدلًا من خفضها
تُظهر تجربة مشروع "غرين سكوير" في سيدني أن إعادة تصنيف الأراضي الصناعية إلى سكنية رفعت قيمتها بشكل كبير. فخلال سنوات قليلة من بدء المشروع في أواخر التسعينيات، ارتفعت الإيجارات بشكل ملحوظ، وازداد متوسط دخل السكان في المنطقة، ما أدى إلى استبدال الأسر ذات الدخل المحدود بأخرى أكثر ثراءً.
ولمواجهة ذلك، فرضت بلدية سيدني على المطورين تخصيص 3% من الوحدات للإسكان الميسور أو تقديم مساهمة مالية تعادل تلك النسبة. ومنذ ذلك الحين، تم بناء 254 وحدة ميسورة التكلفة مع الموافقة على 5ٍ00 أخرى.

Apartment building approvals are on the rise, including for blocks of more than nine storeys. Source: SBS
الشقق الجديدة ليست بالضرورة "ميسورة"
تقول ديبورا نيكسون، المقيمة في حي "ووترلو"، إنها اشترت شقتها أثناء جائحة كوفيد لكنها لا تراها ميسورة رغم موقعها.
ويؤكد الباحث في جامعة RMIT ليام ديفيز أن زيادة المعروض لا تجعل السكن ميسورًا، بل قد "تمنع فقط تفاقم الغلاء".
ويضيف: "لا أحد يصف مناطق مثل ماسكوت أو غرين سكوير بأنها ميسورة رغم كثرة الشقق الجديدة فيها، فهي فقط أقل سعرًا من الأحياء الأغلى مثل بوتس بوينت".
ورغم ذلك، تُظهر البيانات أن زيادة المعروض يمكن أن تبطئ وتيرة ارتفاع الأسعار. ففي منطقة زتلاند بسيدني، ارتفع عدد السكان بنسبة 400% منذ عام 2006، وارتفعت أسعار الشقق بنسبة 92% فقط، مقارنة بزيادة 121% في مجمل سيدني.
البناء وحده لا يكفي
يرى الاقتصادي الحضري في شركة KPMG تيري راونسلي أن بناء الشقق في الأحياء المرغوبة قد يؤدي إلى انخفاض طفيف في الأسعار، لكنه لن يجعلها في متناول ذوي الدخل المنخفض.
ويضيف أن تحسين جودة السكن للأثرياء يمكن أن يحرّك السوق بشكل غير مباشر عبر تحرير مساكن أقل كلفة للطبقات الوسطى.
لكن المشكلة تظل قائمة بالنسبة للعائلات. فمع تزايد هدم المنازل القديمة واستبدالها بشقق صغيرة، أصبحت المنازل ذات الثلاث غرف نادرة وغالية الثمن. وتشير بيانات "دومين" إلى أن سعر الشقق بثلاث غرف بات أعلى من المنازل المماثلة في بعض مناطق سيدني بسبب موقعها المركزي.

The Green Square urban renewal area in Sydney, in which the suburbs of Alexandria, Beaconsfield, Waterloo, Zetland and Rosebery were rezoned from industrial to mixed-use and 179 apartment blocks built, is one of the biggest urban renewal projects in Australia. Source: SBS
الحاجة إلى رؤية متوازنة
يقترح ديفيز اعتماد معايير تصميم صارمة تُلزم المطورين بتشييد نسبة من الشقق الكبيرة المناسبة للعائلات، إضافة إلى التركيز على الأبنية المتوسطة الارتفاع (من خمسة طوابق تقريباً) بدل الأبراج العالية.
وفي دراسة حديثة لـمعهد غراتن، أُشير إلى أن السماح ببناء شقق ومنازل من ثلاث طوابق في جميع مناطق المدن الكبرى يمكن أن يضيف نحو مليون وحدة سكنية ويخفض الإيجارات بنسبة 12% خلال عشر سنوات.
الحل: زيادة العرض في كل مستويات السوق
يؤكد الخبراء أن حل أزمة السكن لا يمكن أن يأتي من القطاع الخاص وحده، بل يحتاج إلى تدخل حكومي مباشر في بناء المساكن الاجتماعية والميسورة.
وبموجب الاتفاق الوطني للإسكان، التزمت الحكومات الفيدرالية والولائية ببناء أو دعم إنشاء عشرين ألف وحدة ميسورة التكلفة ضمن خطة أوسع لتشييد مليونٍ ومئتي ألف منزل خلال خمس سنوات.
وتقول وزيرة الإسكان كلير أونيل إن الحكومة تهدف إلى تسليم 55 ألف منزل اجتماعي وميسور التكلفة بحلول عام 2029، لكنها تواجه انتقادات بسبب بطء التنفيذ، إذ لم يُبنَ سوى 567 وحدة حتى الآن من خلال صندوق مستقبل الإسكان الأسترالي.
في المقابل، ترى السيناتورة باربرا بوكوك من حزب الخضر أن الحل الأسرع هو تمويل مباشر لبناء المساكن العامة كما حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، معتبرةً أن التجربة التاريخية أثبتت نجاح هذا النهج.

Waterloo homeowner Deborah Nixon lives close to Zetland and finds it very convenient, although she would like to see more green space. Source: SBS
التوازن لا التوسع
يتفق الخبراء على أن زيادة المعروض ضرورية لكنها غير كافية. فلكي يصبح السكن ميسوراً حقاً، يجب أن تشمل الخطط مزيجاً من الإسكان الاجتماعي، والميسور، والخاص، إلى جانب تشريعات عمرانية عادلة تفرض نسباً محددة من الوحدات المخصصة لذوي الدخل المحدود.
كما يشير الاقتصادي راونسلي إلى أن حجم المشكلة "هائل"، ولا بد من العمل على جميع الجبهات في آن واحد لأن الوفرة وحدها لا تعني بالضرورة السعرالرخيص.
شارك

