انسحب عشرات المندوبين من قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قبل بدء خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي شنّ هجوماً حاداً على أستراليا وفرنسا وبريطانيا وكندا وعدد من الدول الأخرى بعد اعترافها بالدولة الفلسطينية.
نتنياهو وصف هذه الخطوات بأنها "وصمة عار"، واتهم تلك الدول بإرسال رسالة مفادها أن "قتل اليهود يجدي نفعاً"، قائلاً "هذا الأسبوع اعترف قادة فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا وغيرها بالدولة الفلسطينية من دون شروط، بعد الفظائع التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر تشرين الاول المقبل".
رئيس الوزراء الإسرائيلي رأى أن هذه القرارات عمّقت عزلة إسرائيل الدولية في ظل حربها المستمرة منذ قرابة عامين في غزة. وأكد أن حكومته، التي تُوصف بأنها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، لن تقبل بقيام دولة فلسطينية في الوقت الذي تواصل فيها معركتها ضد حماس.
وذكّر نتنياهو بأن هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023 أسفر، بحسب الأرقام الإسرائيلية، عن مقتل نحو 1200 شخص. في المقابل، أدى الرد العسكري الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 65 ألف فلسطيني وتدمير معظم القطاع وتركه في حالة خراب، وفق بيانات وزارة الصحة في غزة.
انسحابات واحتجاجات
وبالتوازي مع كلمة نتنياهو وبينما اعتلى منصة الجمعية العامة للامم المتحدة ، خرجت عشرات الوفود من القاعة، فيما وقف بعض الحاضرين في الشرفات للتصفيق له. وخارج المبنى، أغلق آلاف المتظاهرين المؤيدين لفلسطين الطرق المؤدية إلى تايمز سكوير.
نتنياهو اتهم قادة العالم الذين انتقدوا إسرائيل بأنهم "رضخوا لضغوط الإعلام المنحاز وجماعات الإسلاميين المتطرفين والحشود المعادية للسامية". وقال إن قادة كثيرين يدينون إسرائيل علناً لكنهم يشكرونها سراً على ما تقدمه من معلومات استخباراتية حالت مراراً دون وقوع هجمات ارهابية في عواصمهم.
ردود فلسطينية ودولية
المكتب الإعلامي التابع لحكومة غزة والتي تديرها حماس في القطاع أصدر بياناً وصف فيه خطاب نتنياهو بأنه "مليء بالأكاذيب والتناقضات الفاضحة"، واعتبره "محاولة يائسة لتبرير جرائم الحرب والإبادة الجماعية".
وامتد الاحباط من الحصار العسكري الإسرائيلي، ومن إحجام الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن كبح نتنياهو، إلى قاعة الجمعية العامة في نيويورك. وفي تحول دراماتيكي، أعلنت أستراليا وبريطانيا وكندا وفرنسا وعدة دول أخرى اعترافها بالدولة الفلسطينية، لتفتح بذلك فصلاً جديداً في مسار الصراع.
واكدت هذه الدول أن مثل هذا الإجراء ضروري للحفاظ على احتمال حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني والمساعدة في إنهاء الحرب.
وتبع نتنياهو قادة الدول العربية على المنصة الذين أدانوا بشدة الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، واحدا تلو الآخر.
رئيس وزراء إيرلندا مايكل مارتن، الذي تحدث بعد نتنياهو، وصف العمليات الإسرائيلية في غزة بأنها "تخلي كامل عن القوانين والأعراف الدولية". كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وهي اتهامات ترفضها إسرائيل وتقول إنها لا تعترف بسلطة المحكمة ، فيما دحض نيتنياهو ما وصفه "الاتهام الكاذب بالأبادة الجماعية".
ملف الرهائن ورسائل عبر الحدود
نتنياهو خصص جزءاً من خطابه للرهائن المحتجزين في غزة، مؤكداً أنهم "لم يُنسوا ولو لثانية واحدة". وقال إنه أمر بنصب مكبرات صوت عند الحدود مع القطاع لبث خطابه على أمل أن يسمعوه.
حماس عرضت إطلاق سراح بقية الرهائن، ويُقدَّر أن 20 منهم ما زالوا أحياء من أصل 48، مقابل إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.
ضغوط داخلية ولقاء مرتقب مع ترامب
رئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه ضغوطاً متزايدة من عائلات الرهائن ومن الرأي العام المحلي المتعب من الحرب، لكنه شدد على أن المعركة لن تتوقف قبل "تفكيك حماس بالكامل".
وقال إن "فلولها الأخيرة محاصرة في مدينة غزة" متوعداً بإنهاء المهمة.
نتنياهو يتمسك بدعم الولايات المتحدة، حيث وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالدولة الفلسطينية بأنه "مكافأة لحماس على الفظائع"، وأكد أنه لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية. ومن المقرر أن يلتقي ترامب بنتنياهو الاثنين في واشنطن لمحاولة التوصل إلى إطار اتفاق لإنهاء الحرب وإطلاق الرهائن.
مواقف متباينة وتحذيرات من التصعيد
زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد قال إن نتنياهو "زاد عزلة إسرائيل بدل أن يوقف التسونامي الدبلوماسي". في المقابل، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في كلمة عبر الفيديو بعد أن رفضت واشنطن منحه تأشيرة دخول، إلى نزع سلاح حماس وضمان ألا يكون لها دور في غزة بعد الحرب، مؤكداً استعداد السلطة الفلسطينية لتولي إدارة القطاع.
وفيما شكر عباس الدول التي اعترفت بإقامة دولة فلسطينية ، فانه أدان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الخميس تصرفات إسرائيل في غزة ووصفها بأنها "حرب إبادة جماعية".
ومع ذلك، بغض النظر عن عدد الدول التي تعترف بفلسطين، فإن العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تتطلب موافقة مجلس الأمن، حيث تمتلك الولايات المتحدة حق النقض.
بعض وزراء حكومة نتنياهو دعوا إلى ضم الضفة الغربية رداً على موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، غير أن ترامب أعلن رفضه القاطع لهذا الخيار، محذراً من أنه "لن يحدث".
محللون حذروا من أن أي خطوة إسرائيلية في هذا الاتجاه قد تنسف اتفاقات أبراهام التي أبرمتها إسرائيل مع عدد من الدول العربية.
وفي خطابه، لم يشر نتنياهو إلى الضم، لكنه أثنى على ما وصفه بحملة ترامب ضد "معاداة السامية" في الولايات المتحدة، في وقت علّقت إدارته تمويلات بمليارات الدولارات لجامعات أميركية بدعوى فشلها في حماية الطلاب اليهود من المتظاهرين المؤيدين لفلسطين.