مظاهرات ضخمة في لندن بمشاركة أكثر من مئة ألف
في عطلة نهاية الأسبوع، خرج أكثر من مئة ألف متظاهر في شوارع لندن تحت شعار "توحيد المملكة"، في واحدة من أكبر مسيرات اليمين المتطرف بتاريخ بريطانيا. وقد قاد المظاهرات الناشط المعادي للهجرة والإسلام ستيفن ياكسلي-لينون، المعروف باسم "تومي روبنسون"، وسط أجواء مشحونة شهدت اعتداءات على الشرطة وتراشق مقذوفات.
الملياردير إيلون ماسك، مالك منصة "إكس"، ظهر عبر رابط فيديو موجهاً خطاباً مثيراً للجدل دعا فيه إلى حلّ الحكومة البريطانية، محذّراً المتظاهرين من أن "العنف قادم" وحاضّاً إياهم على "المقاومة أو الموت".

Saturday's rally in London was organised by far-right activist Tommy Robinson and attended by over 100,000 people. Source: AAP / Krisztian Elek
مشهد يتكرر في المدن البريطانية
الاحتجاجات المناهضة للهجرة لم تقتصر على لندن، بل شهدتها أيضاً مدن مثل بريستول وبرمنغهام، حيث تمركز بعضها أمام فنادق تستضيف مهاجرين. وانتشرت أعلام إنجلترا البيضاء والحمراء على الشوارع والجدران، في مشهد يراه أنصارها "حملة تلقائية للفخر الوطني"، فيما يصفه ناشطون مناهضون للعنصرية بأنه رسالة عدائية للأجانب.
تزامناً، أظهرت استطلاعات الرأي تقدماً لافتاً لحزب "ريفروم يو كاي" بزعامة الشعبوي نايجل فاراج، الذي قد يصبح الحزب الأكبر في البلاد إذا أجريت انتخابات اليوم، ما يعكس تنامي المزاج الشعبي المناهض للهجرة.
احتجاجات مماثلة في أستراليا
المزاج ذاته انعكس في أستراليا، حيث شهدت العاصمة والمدن الكبرى مظاهرات تطالب بوقف "الهجرة الجماعية". ورغم محاولة المنظمين النأي بأنفسهم عن ارتباطات بتومي روبنسون، فإن مسيرات سابقة مثل "مسيرة من أجل أستراليا" شارك فيها علناً عناصر من الشبكات النازية الجديدة، وألقى زعيمها توماس سيويل خطاباً في ملبورن. هذه التحركات حظيت أيضاً بدعم معنوي من شخصيات مثيرة للجدل مثل روبنسون وماسك.
أسباب متعددة: أزمات ومعارك على الموارد
الباحث كالم جونز من جامعة موناش يوضح أن مشاعر السخط الاقتصادي والاجتماعي، مثل أزمة الإسكان وارتفاع تكاليف المعيشة، تُستغل من قبل جماعات اليمين المتطرف لكسب الأنصار. ويقارن جونز ذلك بفترة جائحة "كوفيد-19"، حين حشدت الاحتجاجات معارضين لقيود الكمامات والتطعيم تحت شعار الدفاع عن "الحقوق المدنية".
ويرى جونز أن خطاب اليمين المتشدد يعتمد على تصوير جماعات بعينها كـ"كبش فداء"، باعتبارها مسؤولة عن حرمان المواطنين من موارد أو امتيازات كانت متاحة سابقاً.
وسائل التواصل الاجتماعي: مسرّع للتطرف
يلعب الفضاء الرقمي دوراً محورياً في توسع هذه الحركات. فبحسب خبراء، تُستخدم المنصات لنشر الدعاية، تجنيد الأعضاء الجدد، وإظهار الدعم المتبادل عبر الحدود، ما يجعل الشباب على وجه الخصوص أكثر عرضة للأفكار المتطرفة.
مدير جهاز الأمن الأسترالي "آسيو"، مايك بورغس، وصف الإنترنت بأنه "أقوى حاضنة للتطرف في العالم"، فيما اعتبر رئيس الوزراء الأسترالي أنطوني ألبانيزي أن خوارزميات المنصات تدفع المستخدمين نحو أقصى اليسار أو اليمين، مما يجعل الخطاب السياسي أكثر عدائية.
روابط عابرة للحدود
يشير الباحثون إلى أن هذه الحركات لم تعد محلية الطابع، بل باتت جزءاً من شبكات قومية عابرة للحدود، ترى نفسها متحدة في الدفاع عن "الحضارة الغربية" والحفاظ على "الهوية البيضاء". الباحث ليام غيليسبي من جامعة ملبورن يؤكد أن الجماعات القومية "المفرطة الترابط" تَعتبر نفسها في مواجهة مشتركة ضد الهجرة والإسلام ونقص الموارد، مشيراً إلى أن الروابط بين المنظمات اليمينية المتطرفة ممتدة منذ عقود، لكن وسائل التواصل سرّعت توثيقها.
خطاب سياسي يساهم في التطبيع
ويرى غيليسبي أن تطبيع خطاب معادٍ للهجرة في السياسة والإعلام ـ مثل وصف طالبي اللجوء بـ"قوارب البشر" أو التركيز السلبي على الطلاب الدوليين ـ يخلق بيئة خصبة لشرعنة هذه الحركات، ويفتح الباب أمام تحولها إلى عنف سياسي.
حراك غير استثنائي تاريخياً
ورغم المشاهد المقلقة، يذكّر الخبراء بأن مثل هذه التعبئة ليست استثنائية في التاريخ الحديث، مستشهدين بأحداث مثل شغب "كرونولا" في سيدني عام 2005 أو مسيرة "شارلوتسفيل" في الولايات المتحدة عام 2017.
ويحذّر الباحثون من تضخيم "فرادة" هذه اللحظة، لأن ذلك يمنح الحركات المتطرفة فرصة لتصوير نفسها كتيار شعبي صاعد، فيما هي ـ بحسبهم ـ تعبير عن دورة متكررة في السياسة الشعبوية اليمينية.