لمن لا يعرفه, فالسيد نجيب قلدس, هو نائب مفوض شرطة ولاية نيو ساوث ويلز الذي استقال منذ أيام, بعد أن خدم الولاية لاكثر من ٣٤ عاما, و كان فيها رمزا للدور الفعال و للنجاح الذي يستطيع المهاجر العربي تحقيقه في استراليا.
عندما انتقلت عائلة نجيب قلدس من مصر الى استراليا في سيتينات القرن الماضي, انتقلوا الى أحد الأحياء المعروفة بنسبة المهاجرين المرتفعة. أما الآن فبعد حوالي الخمسين عاما منذ ذلك الحين، يقول السيد قلدس, أن التعددية الثقافية باتت أكثر انتشارًا و لم تعد حكرًا على أحياء دون أخرى.

Nick Kaldas (left) as a child, with his family. Source: Supplied
“ وصلت عائلتي في عام ١٩٦٩ و كنا قد تركنا الشرق الأوسط في منتصف العام لنفاجأ بأن استراليا في فصل الشتاء” و يقول “كان علينا أن نعتاد على الطقس البارد جدا بالنسبة لنا, ذلك مع أن سيدني كانت معتدلة الجو الة حد ما, ولكن بالنسبة لنا كمصريين, كانت باردة”
بعد حين من وصوله, كانت التعددية الثقافية في أوجها في الحي الذي سكنته العائلة ذاك الوقت, و هو حي Marrickville أحد ضواحي سيدني الغربية القريبة. و كان من شأن هذه التعددية أن تعود بالدفء على عائلة السيد قلدس.
“لجأنا الى منطقة أغلبيتها من المهاجرين” كما قال.
“العديد من الناس كان من أصل لبناني, من يوغوسلافيا, ايطاليا و اليونان, كلهم كانو مهاجرين” و بدا الجميع في الشوراع و كأنهم يعرفون بعضهم بعضا, و يعتنون ببعضهم البعض أيضا”
يقول السيد قلدس أنه يثمن قرار أبيه و أمه بالهجرة الى استراليا و يعتبر هذه الخطوة “شجاعة بشكل عظيم”. فيقول “انما قامو بالهجرة لسبب واحد, و هو أن يمنحونا فرصة أفضل للحياة”
“ها نحن ذا بعد ٤٥ أو٤٦ عاما, و بكل تأكيد لا يوجد لدينا أي ندم على قرار والدي”
الفترة الصعبة:
يقول السيد قلدس أن السنتين الأولتين كانتا الأصعب.
مثل كل المهاجرين, واجهت عائلة قلدس عقبة القبول و الاندماج.
قال عن ذلك “أعتقد أن الاندماج دائما صعب, خاصة بالنسبة لنا على الأقل كان صعب”
كان من الصعب أيضا احتضان الحياة الجديدة و الحفاظ على الحياة القديمة في ذات الوقت.
يقول قلدس “تريد أن تكون مقبولا, ولكن لا تريد أن تخسر هويتك الخاصة و خلفيتك, و هذا التوازن هو ما يواجه أغلب مجتمعات المهاجرين على حد اعتقادي. كيف يحافظون على هويتهم و ثقافتهم و تاريخهم و تقاليدهم التي يفخرون بها و ما الى ذلك, و في نفس الوقت, يحاولون الاندماج و الانتماء الى المجتمعات الاسترالية هنا؟ “

Mr Kaldas (right) credits his mother (left) and father's decision to move to Australia as "incredibly brave". Source: Supplied
“أعتقد أنهما أحسا براحة كبيرة في حقيقة أننا لم نكن لنخسر هويتنا أبدا, لم يكن علينا أن نقوم بأي شيء لنبقى مصريين, لنبقى قبطيين, ولكن بالتأكيد كان علينا أن نقوم ببعض الجهود للاندماج”
وقوف العائلة على أقدامها:
يقول السيد قلدس أنه مع هذا التغيير الكبير كان لا بد من تعديل في اسلوب الحياة
“في مصر, كان لدينا مدبرة منزل و سائق وكل شيء آخر, بالتأكيد عندما وصلنا الى هنا لم يكن لدينا أي من ذلك و كان علينا المرور بتجارب غريبة, مثل أن أمي بدأت بتعلم الطبخ هندما وصلنا. ولكنها الان طباخة ماهرة و هذا رائع”
كونهما اضطرا للعمل, قام والدي نجيب باللجوء الى أي عمل يستطيعان انجازه عندما وصلا.
قال قلدس “عندما تصل الى هنا و انت ببساطة تحتاج الى دخل مادي - أغلب المهاجرين و بالتأكيد نحن أيضا - فانك تأخد أول عمل يصادفك”
كان والد السيد قلدس في مصر, يعمل في الاستيراد و التصدير, الا أنه لدى الانتقال الى استراليا, بات يعمل في اجد المصانع, قبل أن ينتقل من عمل الى اخر.
كانت والدته في مصر ربة منزل, و في استراليا, عملت في مهنة ادارية في دائرة الاسعاف.
و أخيرا, وجد السيد قلدس طريقه, فبعد أن عمل كموظف في التأمين, انضم الى الشرطة التي اصبح فيها خلال رحلته, نائب مفوض لشرطة ولاية نيو ساوث ويلز.
السيد قلدس الذي يتحدث ثلاثة لغات بطلاقة, عمل ايضا كمتحدث باسم الشركة في شؤون التعددية الثقافية.

Mr Kaldas speaks to the media at Sydney Police Centre in 2006. Source: Supplied
التعددية الثقافية:
يقول السيد نجيب انه منذ زمن وصوله الى زمننا هذا, حدث تغير كبير في استراليا في المواقف تجاه التعددية الثفقافية في البلاد.
وقال “ أعتقد ان المجتمع تغير بشكل دراماتيكي منذ الستينات من حيث قبول التعددية الثفافية و قبول الناس لبعضها رغم قدومهم من خلفيات مختلفة و و أديان و أعراق مختلفة أيضا”
يعتقد السيد قلدس أن التعددية هي من القيم الأساسية في الهوية الاسترالية و يستدل على ذلك بأن تطور قطاع الطعام الشعبي, هو نتاج هذه التعددية الثقافية.
"الآن و قد أصبح لدينا فعلا خيارات واسعة من المطاعم, ربما أكثر من أي مكان في العالم, فلدينا مأكولات اسيوية, فيتنامية, تايلندية و صينية. لدينا أيضا مطاعم لبنانية و مصرية من الشرق الأوسط و أخرى ايرانية. بالاضافة للمطاعم الفرنسية و الايطالية و عدد أخر من المطاعم الأوروبية المختلفة”
"لم تكن هذه الخيارات متوافرة من قبل, فقد أتت مع قدوم أعداد كبيرة من الناس بشكل أصبح وجود مثل تلك المطاعم مطلوبا, أعتقد أن سيدني أضحت أكثر تعددية و أفضل بكثير لهذا السبب”
اقرأ أيضا:
هذه القصة هي جزء من سلسلة First Day على الاس بي اس.