فجوة متنامية بين التنفيذيين والموظفين
في وقت تتداول فيه التوقعات بأن يصبح الملياردير إيلون ماسك أول تريليوني في العالم إذا حقق أهدافاً طموحة لشركة "تسلا"، لا تزال قضية الفجوة بين رواتب التنفيذيين والموظفين تثير الجدل.
في الولايات المتحدة، تظهر الدراسات أن الرؤساء التنفيذيين يكسبون ما بين 265 و300 ضعف متوسط دخل الموظف، بينما يعتقد المواطنون أن الفارق لا يتجاوز عشرة أضعاف، ويأملون أن ينخفض إلى خمسة أضعاف فقط.
أما في أستراليا، فقد كشفت دراسة طويلة الأمد أن الرؤساء التنفيذيين لأكبر مئة شركة يربحون 55 ضعف متوسط العامل، رغم أن الناس يقدّرون الفجوة بسبعة أضعاف فقط ويعتبرون ثلاثة أضعاف نسبة مقبولة.
أبحاث السعادة: المال ليس كل شيء
فكرة "العيش الطيب" التي تحدث عنها الفيلسوف اليوناني أرسطو تقوم على الاعتدال: المال ضروري لتأمين الأساسيات، لكنه لا ينبغي أن يكون محور الحياة.
دراسات حديثة حاولت تحديد الرقم السحري للسعادة. ففي عام 2010، خلص بحث أمريكي إلى أن الرفاه يبلغ ذروته عند 75 ألف دولار أمريكي سنوياً، ما يعادل اليوم نحو 167 ألف دولار أسترالي بعد احتساب التضخم.
لكن أبحاثاً أخرى تؤكد أن السعادة تزداد مع نمو الثروة، وإن كان العائد النفسي من الانتقال من الفقر إلى الطبقة الوسطى أكبر بكثير من الانتقال من مليون إلى عشرة ملايين.
تجربة أُجريت عام 2022 على 200 شخص من سبع دول، بينهم أستراليون، تلقوا 10 آلاف دولار أمريكي بشكل عشوائي، أظهرت أن أثر المال كان أعظم في الدول منخفضة الدخل، لكنه ظل ملموساً حتى لدى من تصل دخولهم إلى 184 ألف دولار. اللافت أن المستفيدين تبرعوا بأكثر من ثلثي المبلغ لأقاربهم وجمعيات خيرية.
الوقت والعلاقات أهم من المال
أبحاث استمرت لعقود، مثل الدراسة الشهيرة التي أجرتها جامعة هارفارد منذ عام 1938، أثبتت أن العلاقات العميقة والروابط الإنسانية الوثيقة هي العامل الأهم في تحقيق الصحة النفسية والجسدية.
علماء النفس يشيرون أيضاً إلى "سلم الحاجات" الذي وضعه أبراهام ماسلو عام 1943: فبعد تأمين الغذاء والمسكن، تصبح السعادة مرتبطة بالنمو الشخصي، العلاقات، والأنشطة التي تثري الحياة.
ومن هنا جاءت مفاهيم مثل "ثراء الوقت" ـ أي استثمار المال لشراء وقت فراغ أكثر ـ و"الشراء التجريبي" مثل السفر أو تناول وجبات مع الأحبة، باعتبارها استثمارات ترفع مستوى الرفاه أكثر من اقتناء الممتلكات.
خطر الفوارق الاقتصادية
في أستراليا، تظهر البيانات أن التفاوت في الثروة يتسع، خصوصاً مع أزمة الإسكان التي تضرب الأجيال الشابة. وتشير تجارب دول أخرى مثل بريطانيا إلى أن تفاقم الفجوة الاقتصادية يرافقه تدهور اجتماعي يشمل ارتفاع معدلات الجريمة، وتعاطي المخدرات والكحول، وزيادة البدانة بسبب ضعف القدرة على شراء غذاء صحي، وانخفاض الثقة المجتمعية.
بحسب مكتب الإحصاء الأسترالي (2019-2020)، يمتلك أغنى 20% من السكان 62% من إجمالي الثروة. ومع اتساع الهوة، يحذر الخبراء من أن المجتمع بأسره قد يتعرض لآثار سلبية، حتى أولئك الذين يملكون الثروة نفسها.
الثروة والسعادة: معادلة غير مضمونة
المفارقة أن من يسعون إلى تراكم الثروة المفرطة ويستفيدون من هذا التفاوت قد لا ينعمون بسعادة أو رضا أكبر من غيرهم. فالمال قد يفتح أبواب الراحة والفرص، لكنه ليس الضامن الحقيقي للرفاه أو الحياة المليئة بالمعنى.