كريس بوي واحد من الشباب الذين يعملون في ثلاث وظائف، ويعود أحيانًا عند 11 ليلًا، يطفئ محرك سيارته للحظات ويبقى جالسًا فيها دقائق ليس ترفًا ولا هروبًا، بل استراحة قصيرة قبل أن يواجه ما تبقى من يوم استُهلك بالكامل.
في عام واحد، كان كريس يعمل قرابة 70ساعة أسبوعيًا. دخله ارتفع إلى مستوى لم يبلغه من قبل، لكن شعوره بالضيق المالي بلغ ذروته. فهو كغيره، من الشباب لم يعد راتب وظيفة واحدة يكفيه. فبالإضافة إلى جانب عمله الأساسي، وعمل آخر جانبي، تولّى أيضًا نوبات توصيل طعام ليلًا. ولكن هذا لم يكن طموحًا مهنيًا له، بل محاولة بسيطة لمجاراة تكاليف معيشة تتسارع بلا هوادة.
لذلك يقول: "تَركت أمي سوق العمل عندما ولدتُ عام 1989 لتكون أمًا وربة منزل، بينما استمر والدي في العمل كعامل بناء. وبدخل فردي، قاما ببناء منزل جديد في "صن شاين كوست" في كوينزلاند مقابل ما يزيد قليلاً عن 40 ألف دولار".

Chris is trying to save for a house deposit. Source: Supplied
يذكر أنه في هذه الأيام، زادت قيم المنازل الأسترالية بنسبة 50% تقريبًا منذ إغلاق كوفيد-19 عام 2020؛ فيما يستغرق الأمر الآن أكثر من عشر سنوات للادخار مقابل إيداع قياسي يبلغ نسبة 20% لشراء منزل في معظم عواصم الولايات، وفقًا لتقرير Coatality Housing Effillancy Report.
ونظرًا لأن القدرة على تحمل تكاليف السكن حاليًا هي الأسوأ على الإطلاق في أستراليا، يقول كريس:"أعتقد أن مخطط الحلم الأسترالي العظيم بدأ يتغير".
ويضيف: "أبلغ من العمر 36 عامًا، وهو أكبر بست سنوات من عمر والدي عندما بنى منزله وأصبح والدًا".
جهد مضاعف… واستقرار مؤجل
ها هو كريس يبلغ منتصف الثلاثينات، وهو عمر كان فيه والده قد امتلك منزله وبدأ عائلته. هو وشريكة حياته، يحلمان بالاستقرار، لكنهما يشعران أن الطريق أطول مما ينبغي، وأن البداية نفسها أصبحت عقبة. فالإيجار يرتفع. أسعار الغذاء ترتفع. الفواتير تتضاعف. أما الدخل، مهما ازداد، فيظل يلهث خلف الواقع.
لهذا عمل أكثر. أطال أيامه. ضغط على جسده ونفسيته. حاول أن يقف في وجه التضخم كما يقف المرء في وجه ريح عاتية.
ومع ذلك، بقي في المكان ذاته: مستأجرًا، مدّخرًا، منتظرًا. والإرهاق صار رفيقًا دائمًا، لا حالة طارئة. والسؤال الذي يرافقه بصمت: هل أصبح امتلاك بيت امتيازًا لا يناله إلا من يرهق نفسه لسنوات طويلة؟ وكم شخصًا مثله يجب أن يبقى خارج السوق قبل أن يتغير شيء؟

Chris started delivering food in 2023 as a third source of income. Source: Supplied
خفّف كريس ساعات عمله قليلًا، ليس لأن الحاجة انتهت، بل لأن الجسد لا يحتمل المزيد. ما زال يعمل أكثر من المعدل الطبيعي، لكنه يحاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذه من حياته. يحلم بأن يتمكن، هو وخطيبته، من جمع دفعة أولى خلال عام. دون أن يسعى إلى رفاهية زائدة، ولا إلى بيت أحلام واسع. بل يسعى فقط إلى مكان يسمّيه «بيته»، ويشعر فيه أن كل هذا العناء لم يكن عبثًا. لكن قد يكون الحلم اليوم أصغر، وأغلى، وأثقل نفسيًا. لكن هذا الرجل، مثل كثيرين سواه، لا يزال متمسكًا به، لأن التخلي عنه يعني الاعتراف بأن العمل لم يعد طريقًا كافيًا للأمان.
شارك

