يقول أحد الخبراء إن الإعلان صراحة عن الهند باعتبارها الدولة التي تقف وراء "خلية الجواسيس" التي طردت من أستراليا في عام 2020، يرسل إشارة مهمة إلى قوة صاعدة انخرطت في أنشطة استفزازية أخرى أثارت قلق أستراليا وحلفائها.
في الأسبوع الماضي، تم الإعلان أن وكالة التجسس الأسترالية كشفت أنشطة مراقبة سرية تطال مجتمع السيخ في أستراليا وقامت بطرد عميلين هنديين من البلاد في عام 2020.
وأكدت أس بي أس مع مسؤولي المخابرات أن الجواسيس كانوا يعملون لصالح جهاز المخابرات الخارجية الهندي.
وقال ويليام ستولتز، خبير الأمن القومي في الجامعة الوطنية الأسترالية، وهو مسؤول سابق في الأمن القومي، إن أحد الأسباب وراء الإعلان عن عملية التجسس الهندية هو إيصال رسالة إلى الهند.
أنشطة الهند "المستفزة" تثير القلق
تم الإبلاغ عن عملية التجسس الهندية لأول مرة في عام 2021 من قبل رئيس المخابرات الأسترالية (ASIO)، مايك بيرجيس، الذي قال في خطاب له إن "خلية الجواسيس" أقامت "علاقات مستهدفة مع سياسيين حاليين وسابقين، وسفارة أجنبية وقسم شرطة تابع لولاية" طوال عام 2020.
ولم يعلن حينها عن هوية البلد الذي ينتمي إليه الجواسيس، فيما كشفت صحيفة واشنطن بوست الأسبوع الماضي أنه الهند.
وقال بيرجيس إن الجواسيس راقبوا أيضاً مجتمع المهاجرين في أستراليا، وحاولوا الحصول على معلومات سرية بشأن العلاقات التجارية الأسترالية، وسألوا موظفاً حكومياً عن "البروتوكولات الأمنية في مطار رئيسي".

ASIO director-general Mike Burgess reported in 2021 that a "nest of spies" had infiltrated Australia. Source: AAP / Mick Tsikas
وينحدر السيخ من منطقة البنجاب في الهند ويتبعون الديانة السيخية. وفي الثمانينيات والتسعينيات، قمعت الحكومة الهندية حركة تطالب بإنشاء دولة سيخية منفصلة تسمى خالستان.
وأعرب البيت الأبيض الأسبوع الماضي عن قلقه بشأن التقارير التي تفيد بأن جهاز المخابرات الهندي متورط في محاولة اغتيال الناشط السيخي جورباتوانت سينغ بانوم، وهو من أشد منتقدي رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في الولايات المتحدة.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير للصحفيين: "نحن نأخذ هذا الأمر على محمل الجد".
"لقد كانت حكومة الهند واضحة جداً معنا بأنها تأخذ هذا الأمر على محمل الجد - وستقوم بالتحقيق فيه. ونتوقع المساءلة من الحكومة بناءً على ذلك".
يأتي ذلك بعدما اتهم رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الهند علناً بقتل مواطن كندي هو الداعم للسيخ والانفصالي هارديب سينغ نيجار، العام الماضي، وهو اتهام نفته الهند.
وتم توجيه اتهامات لثلاثة رجال فيما يتعلق بوفاة الناشط يوم الجمعة، وقالت السلطات إنها تبحث في أي علاقات مع الحكومة الهندية.
وقال ستولتز إن الاغتيال أثار "الكثير من القلق".

A banner showing the late Sikh separatist leader Hardeep Singh Nijjar outside the Guru Nanak Sikh Gurdwara Sahib in Surrey, British Columbia, Canada, in 2023.
"[الآن] هذه المجموعة من الدول الصديقة للهند - كندا وأستراليا والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا - تقول: انظروا، لقد تجاوزت الهند الخطوط الحمر عندما يتعلق الأمر بهذا السلوك".
وقال ستولتز إن التقارير الإعلامية الأخيرة يمكن أن تكون وسيلة لردع الهند علناً عن المزيد من التصعيد ضد "أصدقائها وشركائها" وسط التحدي الأكبر المتمثل في سلوك الصين التهديدي في المنطقة.
لماذا تتجسس الهند على أستراليا؟
قال إيان هول، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة غريفيث، إن الجالية الهندية في أستراليا يهيمن عليها السيخ وآخرون من منطقة البنجاب.
وكانت البنجابية هي اللغة الأسرع نموا في أستراليا بين عامي 2016 و2021، حيث زادت بنسبة 80 في المائة، وفقا للتعداد السكاني.
وحدّد حوالي 210 آلاف شخص في أستراليا ديانتهم على أنها السيخية في عام 2021، وهو رقم تضاعف ثلاث مرات تقريباً منذ عام 2011.
ورغم أنه لا يبدو أن هناك دعماً كبيراً لدولة خليستان المستقلة في الهند، إلا أن هول قال إن الدعم يبدو أنه ارتفع بين المغتربين في دول مثل أستراليا والولايات المتحدة وكندا خلال العقد الماضي.
أضاف: "هذه حركة عابرة للحدود الوطنية، وهم يقومون بأشياء يعتبرها الهنود استفزازية، مثل إجراء ما يسمى بـ"الاستفتاءات" بين طائفة السيخ لقياس حجم الدعم لدولة سيخ منفصلة في الهند". .
ويتقهم هول عدم رغبة الحكومة الهندية في رؤية تمرد آخر للسيخ، وهو الذي جلب الكثير من المعاناة للناس في الهند، بما في ذلك تفجير طائرة تابعة لشركة طيران الهند مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص في عام 1985.
لكنه قال إن إرسال جواسيس إلى أستراليا وإصدار أمر باغتيال شخصيات هامة في دول أخرى أمر غير مقبول.
"ليس هناك شك في أن الهند تجاوزت الخطوط الحمر في هذه المجالات، وتسببت في مشاكل كبيرة. لقد قوضت الثقة بين أستراليا والهند."
مجتمع السيخ يشك في تعرضه للمراقبة لسنوات
التقارير التي تفيد بأن الحكومة الهندية كانت تتجسس على السيخ في أستراليا لم تكن مفاجأة لرئيس جمعية السيخ السيادية سمر كوهلي.
وقال لأس بي أس، "لقد حدث هذا على المستوى الدولي لفترة طويلة جداً".
"حتى في سيدني، شعرنا أن هذا يحدث وأبلغنا السلطات... أعتقد أن السلطات أخذت الأمر على محمل الجد".
وقال كوهلي إنه كان من الصعب تفسير ذلك، لكن المجتمع كان لديه "شعور" بأنهم يخضعون للمراقبة منذ حوالي سبع أو ثماني سنوات، خاصة بعد رؤية ممثلي المفوضية العليا الهندية خلال الفعاليات "في كل مكان".

Sikhs march in New York advocating for the creation of 'Khalistan' in 2003. Source: AAP / Jennifer Szymaszek
كما التقت به الوكالة بعد الاغتيال المزعوم في كندا.
ويعتقد كوهلي أن الأجهزة الأمنية قامت "بعمل رائع" لكنه ينتقد السياسيين الأستراليين، وخاصة قرار رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي باستقبال مودي في أستراليا في أيار/مايو من العام الماضي.
ووصف ألبانيزي مودي بأنه "الزعيم" خلال حدث حضره أكثر من 20 ألف شخص في غرب سيدني، وهو الأمر الذي يقول كوهلي إنه يستخدم حالياً كدعاية لحملة مودي الانتخابية.

Members of the Sikh community came to prominence during the COVID-19 pandemic through their work providing free meals to those in need. Source: AAP / Daniel Pockett
ورفضت حكومته التعليق على آخر التقارير حول الجواسيس الهنود، قائلة إنهم لا يعلقون على المسائل الاستخباراتية.
كما اتصلت أس بي أس بالمفوضية الهندية العليا والمجلس الهندوسي الأسترالي للتعليق لكنها لم تتلق أي رد.

Indian Prime Minister Narendra Modi in Sydney with Prime Minister Anthony Albanese (right). Source: AAP, AP / Mark Baker
هل يجب أن تشعر مجتمعات الشتات في أستراليا بالقلق؟
يعتقد ستولتز أن مجتمع السيخ والمغتربين الآخرين في أستراليا لديهم "سبب وجيه" للقلق بشأن استهدافهم، خاصة وأن التكنولوجيا تجعل من السهل مراقبة مجتمعات المغتربين ومضايقتها.
وقال: "القدرة على مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي للأشخاص، واستهداف أجهزتهم، واختراق أمنهم السيبراني يسمح للوكالات باستهداف نطاق أوسع من الأشخاص، وبتكلفة منخفضة جدًا".
"لذلك أعتقد أنه من الطبيعي أن تشعر مجتمعات الاغتراب بالقلق إزاء هذا السلوك".
شارك في التغطية آنا هندرسون، كبيرة المراسلين السياسيين لقناة أس بي أس