القصة الإنسانية للأسترالي مايك سادلر تختصر هذا الواقع. فخلال جائحة كورونا، تغيّر كل شيء بالنسبة إليه عندما رفعت الحكومة مدفوعاته من سنترلينك بمقدار 550 دولاراً كل أسبوعين، ضمن حزمة دعم أُقرت لمواجهة آثار الإغلاق على سوق العمل. فجأة، تجاوز دخله الأسبوعي 1115 دولاراً، ليرتفع فوق خط الفقر ويقترب من متوسط الدخل الوطني.
لكن مع انتهاء "المنحة الوبائية" عام 2021 وعودة برامج المساعدات إلى مستوياتها السابقة، تراجعت أحوال عائلته مجدداً، شأنه شأن ملايين آخرين يعتمدون على إعانات JobSeeker وAustudy وYouth Allowance، والتي لا تزال رغم زيادات طفيفة بعيدة عن خط الفقر الفعلي.
أكثر من ثلاثة ملايين أسترالي تحت خط الفقر
تقرير صادر عن جامعة نيو ساوث ويلز ومجلس ACOSS المعني بمكافحة الفقر وعدم المساواة، كشف أن أكثر من ثلاثة ملايين أسترالي عاشوا تحت خط الفقر خلال عام 2022/2023، أي ما يعادل واحداً من كل سبعة أشخاص، ارتفاعاً من واحدٍ من كل ثمانية قبل عامين.
ويُعرَّف خط الفقر بأنه 50% من متوسط الدخل الوطني بعد الضريبة. ووفق التقرير، فإن الشخص الأعزب يحتاج إلى 584 دولاراً أسبوعياً بعد خصم تكاليف السكن، في حين لا يتجاوز دعم JobSeeker حالياً 793 دولاراً كل أسبوعين.
وهذا يعني أن المستفيدين من الدعم الاجتماعي يعيشون بعجزٍ يقارب 200 دولار أسبوعيّاً مقارنة بخط الفقر. أما الأسر التي لديها أطفال، فالفجوة أكبر نحو 464 دولاراً أسبوعيّاً.
تقول الباحثة يوفيشتي نايدو، من مركز البحوث الاجتماعية في الجامعة:
"مدفوعات الإعانة اليوم منخفضة لدرجة تجعل من المستحيل تقريباً العيش بها، حتى بعد إضافة بدل الإيجار. تحتاج الحكومة إلى رفعها بشكل جوهري إذا كانت جادة في محاربة الفقر."

Researchers found the number of people living in poverty in Australia has increased to one in seven in 2022-23, up from one in eight in 2020-21. Source: SBS
بين الطعام والإيجار: خيارات قاسية
المديرة التنفيذية لمجلس ACOSS، كاساندرا غولدي، أكدت أن الأزمة وصلت إلى مستوى يجعل بعض الأستراليين يختارون بين وضع الطعام على المائدة أو مواجهة التشرد. وقالت:
"من غير المقبول أن يزداد الفقر في بلد غني مثل أستراليا. ارتفاع الإيجارات يدفع مزيدًا من الأسر إلى حافة الانهيار، فيما يحصل المستفيد من JobSeeker على 401 دولار فقط في الأسبوع.»التقرير أشار إلى أن واحداً من كل ستة أطفال أي أكثر من 750 ألف طفل يعيشون تحت خط الفقر، وهي نسبة وصفها الخبراء بأنها "مؤلمة ومخجلة".
مايك سادلر يصف التجربة بقوله: "كنا نصل أحياناً إلى آخر خمسة دولارات، فنقرر أنا وزوجتي ألّا نأكل لنوفّر الطعام للأطفال." ويضيف: "الأسوأ ليس الجوع، بل العزلة. لا يمكنك الخروج، ولا لقاء الأصدقاء، لأنك ببساطة لا تملك ثمن البنزين أو وجبة في الخارج."
أزمة السكن وتكاليف المعيشة
أحد أهم أسباب تفاقم الفقر، بحسب التقرير، هو الارتفاع الحاد في الإيجارات. فقد ارتفعت أسعار الوحدات السكنية بين عامي 2021 و2023 بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة في المدن الكبرى.
وتقول كيت كولفن، المتحدثة باسم تحالف Everybody’s Home:
"الارتفاع الجنوني في الإيجارات يدفع مزيداً من الأستراليين إلى الضغط المالي والتشرّد. لا أحد يجب أن يُجبر على الاختيار بين دفع الإيجار وشراء الطعام أو الدواء." وتشير كولفن إلى أن أستراليا تعاني عجزاً في الإسكان الاجتماعي يُقدّر بنحو 640 ألف وحدة، مطالبةً الحكومة الفيدرالية بخطة وطنية عاجلة لبناء مساكن عامة ومجتمعية بأسعار معقولة.

The report found the poverty line for a single adult is $584 per week, minus housing costs. Source: SBS
الفقر كتهديد اجتماعي
يرى الخبراء أن الفقر في أستراليا لم يعد مسألة دخل فقط، بل تهديد بنيوي للحياة الاجتماعية. فالعزلة التي يشعر بها من يعيشون على الإعانات تؤدي إلى تفكك مجتمعي متزايد.
ويقول مايك:
"الناس يظنون أن من يعيشون على الإعانات لا يريدون العمل، لكن الحقيقة أن الجميع يريد أن يعمل. العمل يمنحك قيمة وانتماء. المشكلة أن النظام الحالي يعزل الناس بدل أن يدمجهم."