Feature

ليالي لاكيمبا: بين الجذور والتوسع التجاري هل يفقد السوق طابعه الرمضاني؟

بدأت أسواق الطعام الرمضانية في لاكيمبا كتجمع مجتمعي بسيط نظمه المسلمون لأنفسهم قبل عقدين، لكنها سرعان ما تحولت إلى وجهة ثقافية بارزة تجذب الزوار من مختلف أنحاء أستراليا. ومع توسعها وشهرتها، يشعر البعض بأنها فقدت جوهرها الروحاني ولم تعد تعكس روح الشهر الفضيل كما كانت في بدايتها.

A large crowd of people at a night market.

Lakemba night markets began in 2012 with a humble street barbecue. In 2023, it attracted crowds of more than 1.4 million. Source: Getty / Roni Bintang

في إحدى الليالي الرمضانية عام 2007، وعلى طول شارع التسوق الرئيسي في لاكيمبا جنوب غرب سيدني، وقفت شواية وحيدة على الرصيف، تتصاعد منها روائح اللحم المشوي، بينما كان عبد العبيد، الشاب البالغ من العمر 23 عامًا آنذاك، يمسك الملقط ليقلب لحوم الإبل على النار.

كان العشرات من الناس يتجمعون في انتظار البرجر بعد صلاة التراويح، تلك الصلاة الليلية التي يؤديها المسلمون خلال شهر رمضان، في المسجد القريب.
يستذكر عبيد تلك اللحظات قائلاً: "لم يكن هناك الكثير من الأماكن لتناول الطعام بعد التراويح في لاكيمبا كما هو الحال الآن، لذلك اعتقدنا أنه سيكون من الرائع إقامة حفل شواء."
A food vendor putting orange sweets in a disposable box as customers wait. There's another vendor standing next to him in front of a counter.
The success of the night markets has generated mixed feelings among the Australian Muslim community. Source: Getty / Roni Bintang

من تجمع متواضع إلى مهرجان ضخم

رمضان، الشهر التاسع في التقويم الإسلامي، هو وقت يمتنع فيه المسلمون عن الطعام والشراب من الفجر حتى غروب الشمس، كما يعد فرصة لتعزيز الروحانية، وزيادة أعمال الخير، والتأمل.

ومع مرور السنين، بدأ هذا التجمع الصغير في شارع هالدون بالنمو، حيث تحولت العشرات إلى مئات، ثم آلاف من المسلمين الأستراليين الذين يتوافدون لتناول وجبة ما قبل الفجر.

كان من بين هؤلاء سامي شلبي، المقيم في غرب سيدني، الذي بدأ بزيارة السوق قبل أكثر من عقد. يقول سامي، البالغ من العمر 28 عامًا:

"في ذلك الوقت، كانت لاكيمبا نقطة التقاء طبيعية، حيث كانت الأطعمة الجيدة متوفرة في وقت متأخر من الليل."

ويتذكر انتشار الحديث بين الناس: "كان الجميع يقولون: 'هل تريد طعامًا؟ دعنا نذهب إلى لاكيمبا'."
A woman in a yellow dress and a black scarf takes a selfie.
The famous food markets in Sydney's south-west were once known as 'Lakemba Ramadan Nights', until some Muslim community members wanted the religious reference removed. Credit: AAP
ومع ازدياد شهرة الحدث، توسع نطاقه ليجذب الزوار من مختلف أنحاء سيدني، بمن فيهم غير المسلمين، وهو ما أثار جدلًا داخل المجتمع المسلم.

بين الهوية الدينية والتوسع التجاري

تعد لاكيمبا واحدة من أكثر الضواحي الإسلامية في أستراليا، حيث أظهرت إحصاءات عام 2021 أن 61% من سكانها مسلمون، كما أنها تضم أكبر مسجد في البلاد.

وفي عام 2017، تولى مجلس مدينة كانتربري-بانكستاون الإشراف على تنظيم السوق، ليصبح أحد أكبر المهرجانات الغذائية المتعددة الثقافات في أستراليا، حيث تشير التقديرات إلى أن الحدث يجذب أكثر من 1.6 مليون زائر سنويًا، ويحقق عائدات تصل إلى 50 مليون دولار للاقتصاد المحلي.
يقول رئيس بلدية المجلس، بلال الحايك:
"إنه حدث استثنائي، لا يوجد أي مهرجان آخر في أستراليا يجذب هذا العدد الهائل من الأشخاص."

لكن مع هذا التوسع، بدأت بعض الأصوات داخل المجتمع المسلم تعبر عن قلقها من أن السوق فقد هويته الأصلية، وأصبح أكثر تركيزًا على الجانب التجاري منه على قيم رمضان الروحانية.

ويقول سامي شلبي:
"المهرجان لم يعد يخدم غرضه الأساسي في توفير الطعام للمجتمع المسلم بعد التراويح، بل أصبح أقرب إلى سوق تجاري ضخم فقد روحه الأصلية."
A food vendor uses a ladle to place food into a container from a counter filled with other dishes.
Up to 60 local businesses are expected to take part in Lakemba's Ramadan food markets. Credit: AAP
يرى الإمام إبراهيم دادون من منظمة المسلمين المتحدين في أستراليا أن شهر رمضان لا يقتصر على الأطعمة والمأكولات، بل هو فرصة لتعزيز الروحانية والتقارب بين المسلمين، وكذلك التواصل مع المجتمع الأسترالي الأوسع.

ويضيف: "رمضان ليس مجرد طعام، بل يتعلق أكثر بالعبادة والتأمل والتراحم."

لكن في السنوات الأخيرة، تزايدت المخاوف من أن الحدث بات بعيدًا عن جذوره الدينية، مما دفع المجلس إلى اقتراح إزالة كلمة "رمضان" من اسم المهرجان.

يقول دادون إن بعض المسلمين الأستراليين وافقوا على الفكرة، بينما رأى آخرون أن هذا التغيير يُفقد المهرجان هويته.

المقترح أثار جدلًا واسعًا بين السكان المحليين، بمن فيهم جويل والبانك هوتون، البالغ من العمر 26 عامًا، وهو غير مسلم، الذي قال:
"إزالة رمضان من الاسم يجعل الحدث علمانيًا تمامًا، وهذا أشبه بصفعة على وجه المجتمع المسلم الذي يرتبط رمضان بإيمانه وثقافته."
Meat skewers are sizzling on a grill.
Ibrahim Dadoun says some members of the community complained Lakemba's night markets have become overcommercialised. Source: SBS

الحل الوسط: "ليالي لاكيمبا في رمضان"

بعد جدل مستمر، توصل المجلس إلى حل وسط، حيث صوت لصالح تعديل الاسم ليصبح "ليالي لاكيمبا في رمضان" بدلاً من إزالته كليًا.

يعلق بلال الحايك على ذلك قائلًا:
"كان هناك من أراد إزالة الاسم، وآخرون أصروا على الإبقاء عليه، فاستمعنا إلى المجتمع ووجدنا نقطة توازن تعكس تنوع وجهات النظر."

فرصة للحوار وكسر الحواجز

رغم الخلافات حول الاسم والهوية، يرى البعض أن هذا الحدث يفتح المجال للتواصل بين المجتمعات المختلفة في أستراليا، ويساهم في مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا المتزايدة.

أفاد سجل الإسلاموفوبيا في أستراليا بزيادة 600% في الحوادث المعادية للإسلام منذ 7 أكتوبر 2023، وهو ما يجعل الحوار والتواصل أكثر أهمية من أي وقت مضى.
يقول الإمام دادون:
"إذا كان الطريق إلى قلوب الناس يمر عبر معدتهم، فليكن ذلك! مرحبًا بكم في لاكيمبا، استمتعوا بالطعام، ودعونا نتحاور ونتعرف أكثر على بعضنا البعض كمجتمع متنوع ومتعايش."

أما بالنسبة لصاحب الأعمال المحلي، محمد الشريف، فهو يرى أن السوق فرصة ذهبية لتعريف الناس بالتنوع الثقافي في أستراليا، حيث يقول:
"يأتي الناس من خلفيات وثقافات مختلفة ليتعرفوا على ثقافتنا وتقاليدنا."
وتوافقه الرأي الشابة المسلمة إيمان علم الدين، مؤكدة أن "روح رمضان لا تزال موجودة، حيث يلتقي الزوار بمسلمين ويكتشفون أننا أناس طبيعيون مثلهم تمامًا."

ما بدأ كتجمع بسيط لمجموعة من الشباب بعد التراويح، تحول إلى مهرجان ضخم يجذب الملايين، مما خلق تحديًا بين الحفاظ على هويته الدينية وبين الانفتاح على التنوع الأوسع في أستراليا.

ومع استمرار السوق في التطور، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكن تحقيق التوازن بين روحانية رمضان والتوسع التجاري؟

للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.

أكملوا الحوار عبر حساباتنا على فيسبوك وانستغرام.

اشتركوا في قناة SBS Arabic على YouTube لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

شارك

نشر في:

By Rayane Tamer
تقديم: Rayan Barhoum
المصدر: SBS

تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand