"كان حلمي أن أكون متخصصة في تعقب الأوبئة"
لطالما حلمت الباحثة الأسترالية إيزابيل (اسم مستعار) بأن تصبح "محققة في الأوبئة"، تعمل ضمن برنامج النخبة التابع لـ مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الولايات المتحدة، المعروف باسم Epidemic Intelligence Service.
منذ طفولتها كانت مختلفة، كما تقول ضاحكة: "كنت الطفلة الغريبة التي تقدم مشاريع مدرسية عن الجمرة الخبيثة وإيبولا".وبعد إنهائها شهادة الدكتوراه هذا العام، بدا أن الوقت حان لتحقيق حلمها.

While at Princeton University last year, Isabelle says she saw the panic as international students were instructed to return before Trump's inauguration. Source: Getty / Rick Friedman/Corbis
كنت أتفهم تماماً لو لم يتم اختياري بسبب التنافس الشديد، لكن أن يُستبعد المتقدمون الأجانب من الأساس؟ هذا محبط حقاً… وحزين
من حلم الدراسة إلى واقع الإقصاء
إيزابيل ليست الوحيدة. فالكثير من الأستراليين الذين خططوا للدراسة أو العمل في الولايات المتحدة وجدوا أحلامهم تتبدد بفعل التحولات السياسية المتسارعة في واشنطن.
منذ تولي ترامب ولايته الثانية مطلع هذا العام، بدأت إدارته حملة مشددة لتطبيق سياسة "أمريكا أولاً"، شملت قيوداً على العمالة الأجنبية، وتشديد إجراءات منح التأشيرات، وإلغاء أو تأخير مقابلات الطلبة الدوليين.
وفي أيار/ مايو، علّقت وزارة الخارجية الأمريكية مقابلات التأشيرات الدراسية، مما أدى إلى تراكم آلاف الطلبات وتأجيل خطط الكثيرين.
جيمّا… فرصة ضائعة في نيويورك
الطالبة الأسترالية جيمّا (اسم مستعار) كانت على وشك بدء دراستها في جامعة نيويورك (NYU)، ضمن برنامج مزدوج يشمل تخصصاً في الفنون المسرحية في مدرسة تيش المرموقة.
تقول: "كانت الجامعة حلمي منذ الصف الثامن، لأنها الوحيدة التي تسمح بدراسة الفنون إلى جانب تخصص أكاديمي آخر".
لكن مع تصاعد الأخبار حول رفض تسجيل طلاب دوليين في جامعات أمريكية كبرى، بدأت مخاوفها تكبر. وحين أعلنت الحكومة الأمريكية تعليق مقابلات التأشيرات، جاءها عرض بديل من جامعة في لندن وعليها أن تحسم القرار خلال أيام قليلة.
كنت حزينة جداً… تخيّل أن تُقبَل في جامعتك الحلم ثم تُحرم من الذهاب فقط لأن السياسة تغيّرت. حتى وأنا سعيدة في بريطانيا الآن، ما زلت أتساءل: ماذا لو؟
هجرة العقول… وانكماش الحلم الأميركي
تشير بيانات مكتب السفر والسياحة الوطني الأمريكي إلى انخفاض عدد الطلاب الأجانب الداخلين إلى الولايات المتحدة بنسبة 19% في آب/ أغسطس الماضي مقارنة بالعام السابق.
وتقدّر منظمة NAFSA أن هذا التراجع قد يكلف الاقتصاد الأمريكي نحو 10.6 مليارات دولار سنوياً من الإنفاق والتعليم والبحث.
أما الخبير السياسي جون هارت، من الجامعة الوطنية الأسترالية، فيحذر من أن سياسات الإدارة الأمريكية الراهنة تُضعف صورة الولايات المتحدة كبلدٍ منفتح يثمّن تبادل المعرفة.
يقول: "ضباط الهجرة في الولايات المتحدة يقومون الآن بأشياء لم تكن تُفعل من قبل — مثل تفتيش هواتف الطلبة بحثاً عن آراء سياسية. أي طالب يُظهر تعاطفاً مع مواقف معارضة قد يُمنع من الدخول".
النتيجة ستكون عزوف الكفاءات عن التوجه إلى أمريكا، وهذا سيترك أثراً طويل الأمد على سمعتها العلمية والأكاديميةالخبير السياسي جون هارت
كل شيء أصبح هشاً
في مدينة بيرث، تجلس إيزابيل اليوم بين أوراقها وأبحاثها، عاجزة عن تخطيط مستقبلها الأكاديمي.
قدّمت طلباً لمنحة بحثية في الولايات المتحدة، لكن موضوعها عن "العدالة الصحية"، وهو ما تخشى أن يُرفض في ظل المناخ السياسي الحالي.
تقول بأسى: "كل شيء يبدو هشاً ومتغيراً بسرعة. من الصعب الآن أن تخطط لمستقبلك، أو حتى تبني حلماً طويل الأمد. لم تعد أمريكا كما كانت بالنسبة لنا".
قيود الهجرة الجديدة في عهد ترامب تُبدّد أحلام أستراليين في العمل والدراسة بالولايات المتحدة.
باحثون وطلاب فقدوا فرصهم بسبب سياسات "أمريكا أولاً"، وسط تحذيرات من انغلاق المجتمع الأمريكي أمام الكفاءات الدولية وتراجع جاذبيته التعليمية.