"لدينا أربعون دولاراً فقط": كيف سلب غلاء المعيشة استقرار الأستراليين؟

لم تعد أزمة غلاء المعيشة في أستراليا مجرّد مسألة ارتفاع أسعار أو زيادة في الفواتير الشهرية، بل تحوّلت إلى ظاهرة تهزّ البنية النفسية والاجتماعية للمجتمع، وتدفع العائلات إلى حافة الانهيار المالي والعاطفي معاً.

A man, woman and two toddlers sit on the floor and play happily together with toys.

Mitch (left) and Laura have been forced to cut back their spending since their twins were born. Laura says she really misses socialising with friends. Source: SBS

للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.

رغم أن العناوين الاقتصادية تتحدث عن التضخم والإنفاق، إلا أن القصص اليومية التي يعيشها الأستراليون تكشف عن وجهٍ أكثر قسوة للأزمة، حيث يختلط العجز المالي بالوحدة، والضغط النفسي بالانفصال الاجتماعي.

عائلة في مواجهة المجهول

في مدينة بريزبن، كانت لورا ويلسون وشريكها ميتشل ستيوارت يعيشان حياة مستقرة، يمتلكان منزلهما ويستعدان للزواج، قبل أن تتغيّر حياتهما بالكامل بعد خبر حملها بتوأم.

تقول لورا: "اضطررنا للانتقال إلى منزل والدتي بعد الولادة، فتكاليف التوأم باهظة، والمضاعفات الصحية لم تتوقف بعد الولادة".

بحسب جمعية الولادات المتعددة الأسترالية، فإن تربية التوائم تكلّف خمسة أضعاف مقارنة بطفل واحد. ومع ارتفاع الأسعار الجنوني في السنوات الأخيرة، وجدت الأسرة نفسها مجبرة على الاختيار بين الرعاية النفسية والطبية أو احتياجات الأطفال.

لورا، التي كانت تعمل في التسويق، تركت عملها لتصبح أمّاً متفرغة. تقول بأسى:

"أفتقد الخروج وتناول الطعام في الخارج... حتى أبسط الأنشطة الاجتماعية أصبحت رفاهية لا يمكننا تحمّلها."
A woman stands outside next to a pool holding a pair of twin babies and smiling.
Laura Wilson says raising his twins has placed a financial and mental strain on her family. Source: Supplied

تراجع العمل التطوعي وانهيار الروابط المجتمعية

الأزمة لا تقتصر على الأسر فقط، بل طالت حتى المنظمات المجتمعية. فقد أكدت مديرة جمعية الولادات المتعددة أن عدد المتطوعين في انخفاض حاد، مما ينعكس سلبًا على روح التضامن والدعم المتبادل.

بيانات مكتب الإحصاء الأسترالي تشير إلى أن معدلات التطوع ما زالت أدنى بكثير من مستويات ما قبل الجائحة، وهو مؤشر خطير على تآكل الروابط الاجتماعية في البلاد.

وتقول الباحثة كيت لايسيت من جامعة ديكن:

"غياب الوقت والموارد يجعل المجتمعات الفقيرة أكثر هشاشة، ويُعمّق الفوارق الاجتماعية. إنها إخفاق لسياساتنا العامة في دعم التوازن الاجتماعي."

أزمة الصحة النفسية: علاج أصبح رفاهية

تؤكد الأخصائية النفسية أورنيلّا موتو من بريزبن أنها لاحظت تراجعاً حادّاً في أعداد مراجعيها خلال الأشهر الأخيرة.

"الكل يشتكي من التكاليف. الناس ببساطة لا يستطيعون تحمّل كلفة العلاج النفسي"، تقول أورنيلّا.وتُظهر بيانات اللجنة الوطنية للصحة النفسية أنّ واحداً من كل خمسة أستراليين يؤجّل أو يتجنّب زيارة مختص نفسي بسبب الكلفة المرتفعة.

تضيف أورنيلّا بأسف:

"الصحة النفسية ليست سلعة كمالية... إنها صحة الإنسان في جوهرها."
A woman in a white suit and long dark hair sits outside on the grass and smiles.
Psychologist Ornella Moutou says she's seen Australians deprioritising psychology sessions to pay for other expenses, and she worries about the impact of that on their mental health. Source: SBS

أزمة الصحة النفسية تتفاقم

تشير دراسة أجرتها شركة Compare the Market لعام 2025 إلى أنّ ما يقارب نصف الأستراليين (48.7%) قالوا إنّ الضغوط المعيشية قد فاقمت أو سبّبت حالات من القلق والاكتئاب، ما انعكس سلبًا على صحتهم الجسدية والنفسية، وعلى جودة نومهم وعلاقاتهم الاجتماعية.

وأظهرت الدراسة أنّ التأثير الأكبر سُجِّل بين جيل "زد" (72%) والجيل الألفي (56.6%)، وهو ما وصفه الخبراء بأنه مؤشر خطر على الصحة العامة للمجتمع.

ويحذّر المختصون من أنّ تجاهل الاضطرابات النفسية قد يؤدي إلى اختلال المزاج، وتدنّي الثقة بالنفس، وازدياد احتمال الإصابة بأمراض عضوية، وانخفاض الطاقة والدافعية، واضطرابات في النوم والشهية، وضعف التركيز والانتباه.
Graphic card showing the effect of living costs on Australians' mental health and relationships.
Source: SBS

عندما يتحول الخجل إلى عبء إضافي

قصة أخرى تجسد المعاناة هي قصة كاثرين وبوب، زوجان وجدا نفسيهما مع طفلين وحساب مصرفي لا يحتوي سوى على أربعين دولاراً خلال فترة عيد الميلاد الماضي.

تقول كاثرين: "نشعر أننا نتراجع يوماً بعد يوم... لم نعد نخطط للمستقبل بل نعيش فقط للبقاء".
اضطرت العائلة إلى الانتقال من منزلٍ واسع إلى شقة صغيرة بغرفتين، ينام فيها ابنهما في غرفة المعيشة.
وتضيف الأم: "حتى قطّنا اضطررنا إلى قتله الرحيم بعد أن اكتشفنا أن علاجه سيكلّفنا 4000 دولار."

بوب من جانبه يشعر بالخجل والمرارة:

"أحمد الله أن والديّ لم يعودا على قيد الحياة ليروا كم أصبحت الحياة صعبة علينا."
A couple sit inside a cramped room and talk to the camera with a neutral expression on their faces.
With Bob (left) out of work, Catherine (right) says the family are "just surviving day to day" and unable to make plans for the future. Source: SBS

بين الأمل والسياسات العامة

تقول الباحثة كيت لايسيت إن الحل لا يكمن فقط في جهود الأفراد، بل في سياسات اجتماعية عادلة تمنح الأستراليين القدرة على العيش بكرامة.

"نعم، يمكن للناس تحسين صحتهم عبر الرياضة، والتغذية، والمشاركة المجتمعية، لكن من الصعب مطالبتهم بذلك إذا لم يكن لديهم الوقت أو المال."أما لورا، فتبقى متفائلة رغم الصعوبات:

"الآن بعد أن كبر التوأم ولم نعد بحاجة إلى رعاية نهارية باهظة، أرى بصيص أمل... عندما نعود إلى العمل معاً، ربما تتحسن حياتنا من جديد."

أكملوا الحوار على حساباتنا على فيسبوك و انستغرام.

اشتركوا في قناة SBS Arabic على YouTube لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

شارك

نشر في:

By Monique Pueblos
تقديم: George Gharam
المصدر: SBS

تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand