سيذكر التاريخ "واقعة Tampa" الشهيرة في العام 2001 كأحد أهم اللحظات التي أثرت على مسار سياسة اللجوء في أستراليا. في ذلك الوقت كان هناك عددٌ كبير من اللاجئين المسافرين إلى أستراليا عبر القوارب في البحر.
قارب يستغيث
في 24 آب/أغسطس 2001، بدأ الزورق Palapa 1 بالغرق على بعد 140 كم شمال جزيرة كريسماس، قبالة الساحل الشمالي لولاية غرب أستراليا، في موقعٍ يعتبر خارج المياه الإقليمية الأسترالية.
وبالرغم من صغر حجم الزورق إلا أنه كان يحمل على متنه 438 من الأفغان من أقلية الهزارة الهاربين من حركة طالبان.The Tampa rescued 433 mostly-Afghan asylum seekers from the Indonesian fishing boat, the Palapa. Source: AAP/Wallenius Wilhelmsen
في 26 آب/أغسطس 2001، أصدر مركز الإنقاذ الأسترالي رسالة إلى جميع القوارب المحيطة بالزورق Palapa 1، لإخطارهم بإحداثيات الزورق الإندونيسي الذي يبلغ طوله 35 متراً. الناقلة Tampa تسارع للإنقاذ
كانت الناقلة التجارية النرويجية Tampa الأقرب إلى مكان الزورق المستغيث، فقاد قبطان Tampa آن رينان الناقلة إلى مكان الزورق لتقديم يد المساعدة، كما هو معتاد في عرف قانون البحار.
وصلت الناقلة Tampa إلى موقع Palapa 1 بمساعدة طائرة خفر السواحل الأسترالي.Captain Arne Rinnan. Source: AAP/Wallenius Wilhelmsen
وفي لقاءٍ حول الواقعة، قال القبطان: "عندما وصلنا كان معظم اللاجئين في حالة سيئة وكان 10 أو 12 منهم غائبين عن الوعي. كان الكثير منهم يعانون من الزحار وكانت سيدة حامل تشتكي من آلام المعدة."
بعدما أنقذ القبطان جميع الركّاب من الزورق، تلقى رسالة من جاكرتا عاصمة إندونيسيا، تطلب منه إعادة اللاجئين إلى ميناء العبارات في ميراك، إندونيسيا.
ولكن خمسة من الركاب قاموا بزيارة قمرة القبطان وطلبوا منه أن يتوجه بهم إلى أستراليا، وتحديداً جزيرة كريسماس.
وافق القبطان على طلب اللاجئين بالتوجه إلى أستراليا، خوفاً من أن يقفز اللاجئون في البحر. ولكن رفضت الحكومة الأسترالية السماح للناقلة بدخول المياه الإقليمية الأسترالية وهددت بمحاكمة القبطان رينان وتوجيه تهم له بالإتجار بالبشر.
توسل القبطان إلى السلطات الأسترالية مع اقتراب الناقلة من جزيرة كريسماس وأخبر المسؤولين الأستراليين أن عدداً من اللاجئين كانوا غائبين عن الوعي.Some of the asylum seekers onboard the Tampa. Source: AAP/Wallenius Wilhelmsen
وفرت السلطات الأسترالية الرعاية الطبية والمساعدة ولكن استمرت المواجهة بين الناقلة والحكومة الفدرالية، حيث تعهد رئيس الوزراء آنذاك جون هاورد ألا تلمس قدما أي من اللاجئين أرضاً أسترالية. في 29 آب/أغسطس، قرر القبطان رينان إعلان حالة طوارئ واخترق الحدود البحرية الأسترالية بدون إذن.
حذرت السلطات الأسترالية رينان وأخبرته بأنه يخالف القانون، كما أرسلت الحكومة 45 من عناصر خدمات الطيران الخاصة للاستحواذ على الناقلة ومنعها من الاقتراب أكثر من جزيرة كريسماس.
الحل الباسيفيكي
قامت الحكومة الأسترالية بتمرير حزمة قوانين في غضون أيام معدودة، عرفت تحت اسم "الحل الباسيفيكي"، والتي كان مفادها التعامل مع اللاجئين الواصلين إلى أستراليا عبر القوارب خارج الحدود الأسترالية.
وقال هاورد في ذلك الوقت: "أؤمن أن من مصلحة أستراليا أن نرسم حداً فاصلاً أمام ما أصبح عدداً لا يمكن السيطرة عليه من الوافدين الغير شرعيين لهذا البلد".Then prime minister John Howard in 2001. Source: AAP
بحلول 1 أيلول/سبتمبر، استطاعت الحكومة الفدرالية تأمين وصول ركّاب الناقلة Tampa إلى نيوزيلندا وجزيرة ناورو للتعامل مع طلباتهم باللجوء. وبينما استقبلت نيوزيلندا 150منهم، بقي معظمهم في ناورو، وبعضهم لمدة ثلاث سنوات.
رمي الأطفال في البحر
جذبت سياسة الحكومة الأسترالية في التعامل مع الواقعة و"الحل الباسيفيكي" نقداً دولياً مستمراً حتى يومنا هذا. في العام 2018، وصفت مقالة في صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية الواقعة على أنها "درسٌ في كفاءة نزع الإنسانية من العائلات المهاجرة كاستراتيجية سياسية".
ولكن دافعت الحكومة الأسترالية في ذلك الوقت عن سياسة الهجرة التابعة لها وقالت إنها تنقذ حياة المهاجرين الغير شرعيين من خلال إحباطهم عن السفر عبر البحر إلى أستراليا في زوارق غير مناسبة بالمقام الأول.
وبعد واقعة Tampa بخمسة أسابيع، ظهر زورقٌ آخر يحمل 223 لاجئٍ إلي جزيرة كريسماس، اعترضته سفينة الهجوم البرمائية HMAS Adelaide من فئة Canberra في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وادّعى وزير الهجرة آن ذاك فيليب رادوك أن اللاجئين قاموا بقذف أطفالهم من على سطح المركب في محاولة يائسة لأن يتم إنقاذهم.
وبينما لم تجد لجنة تحقيق مجلس الشيوخ دليلاً على أن الأطفال كانوا في خطر، إلا أن الواقعتين أدتا إلى زيادة في شعبية الائتلاف الحكومي بين الأحرار والوطنيين في استطلاعات الرأي السابقة للانتخابات الفدرالية.People being rescued by the HMAS Adelaide. Source: Department of Defence
حيث اعتمدت حملة هاورد الانتخابية على ملف حماية الحدود الأسترالية وسياسات الأمن الدولي، وخصوصاً بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 على برجي التجارة العالمية في نيو يورك. وقال هاورد: "نحن من يحدد من يأتي إلى هذا البلد والظروف التي تسمح لهم بالقدوم".The MV Tampa. Source: AAP/Catharine Munro
واتهم زعيم المعارضة الفدرالية في ذلك الوقت كيم بيزلي هاورد بأن حكومته تستغل السياسة وقضية طالبي اللجوء لتقسيم الدوائر الانتخابية والرأي العام حول ملف العنصرية. إرثٌ لا ينضب
تم إعادة انتخاب ائتلاف الأحرار والوطنيين في تشرين الثاني/نوفمبر 2001 مع أغلبية أكبر من ذي قبل، بالرغم من تأخره وراء المعارضة في استطلاعات الرأي السابقة لواقعة Tampa.
ومن جانبها يقول محامي حقوق الإنسان جوليان بيرنسايد إن طريقة تعامل الحكومة الأسترالية مع واقعة Tampa يشكل انتصار التشاؤم الانتخابي على الحاجة الإنسانية.Captain Arne Rinnan in New Zealand with some fo the asylum seekers rescued by the Tampa. Source: Ross Land/Getty Images
واستمرت سياسة طرد القوارب والتعامل مع اللاجئين خارج الحدود الأسترالية التي تشكلت في أعقاب واقعة Tampa كحجرِ أساسٍ في سياسة المحافظين في أستراليا. وفي أيار/مايو 2002، حصل القبطان آن رينان وطاقمه على وسام شرفي لحقوق الإنسان بسبب "شجاعتهم الشخصية وتفانيهم النادر في حماية اللاجئين."
عمل على مقطع الفيديو آرون هوبز وفينتان مكدونال.