النقاط الرئيسية
- مع دخول عدد من المناطق في أستراليا الإغلاق، يقدم لكم هذا المقال خمس نصائح عملية لحجر منزلي صحّي ومثمر
- يمكن تعزيز الإنتاجية رغم العمل عن بعد من خلال المحافظة على روتين عمل يوميّ
- يبقى الموقف الداخلي هو نقطة الإنطلاق المحورية لتحويل الأزمة إلى فرصة
استيقظت في تمام الساعة السادسة كالمعتاد، اذ عليّ الذهاب إلى عملي الصحافي الذي هو شغف لي. عملنا في حقل الصحافة لا يتوقّف حتى خلال فترة الإغلاق الإلزامي. وقبيل انطلاقي، تفقدت هاتفي لأجد رسالة من مديرتي، وبصوتها المفعم حياة، قالت لي "بترا أمكثي في المنزل اليوم، إذ يتوجّب علينا العمل عن بعد" .
أنا في طبيعتي أعشق المنزل، أستمتع في الكتابة في مملكتي الصغيرة وما يضيف من نكهة هذا الاختبار أنّ ولداي في المنزل أيضًا في عطلتهم الدراسية. وقبيل استيقاظ الأولاد، اخترت أن أكتب عن كيفية تحوّل "أزمة الحجر المنزلي" إلى فرصة للنمو والإنتاجية في كنف العائلة التي هي الوطن الأول.
موقفك الداخلي
الأبواب التي تبدو مغلقة، سرعان ما نكتشف أنّها مفتوحة أيضًا لأفق جديدة. من منّا ظنّ يومًا أن بإمكانه التعليم أو التعلّم عن بعد؟ حين أنظر إلى الوراء، أشعر بالرضى والامتنان لتعليم طلّابي عن بعد وتفعيل قدراتهم رغم وباء شلّ عالمنا وظنّ أنه أدخل العالم بأسره في سجن انفرادي. أشعر بالرضى الذاتي لأنني أيضًا تمكنت من إنهاء دراساتي العليا عن بعد في خضم الأبواب المغلقة وتمكنت من تحقيق الكثير وأنا في المنزل أستمتع بدفء العائلة! إذًا كل أزمة تتحوّل إلى فرصة بمقدار انفتاحنا الذهني والنفسي للتأقلم بمرونة مع حياة ليست بجامدة أبدًا.
الموقف الداخلي الآنيّ، أي اليوم وفي إطاري الخاص، هو محوريّ في مسيرة النمّو والإنجاز! بمقدار انفتاحي على الحياة والتعلّم، بمقدار ما أستمتع بركوب الأمواج كما يفعل الأستراليون باتقان على شواطىء أستراليا الخلابة.
إبدأ نهارك بطريقة صحيحة
إنّه يوم عمل عادي وبذلك علينا أن نتعامل معه باحترام وجديّة. الحجر المنزلي ليس بعطلة، إلّا اذا سمحت الظروف بذلك. النصيحة الثانية لك، إبدأ يومك بطريقة صحيحة. إنهض كالمعتاد، تابع الروتين الصباحي في تفاصيله كما لو كان عليك مغادرة المنزل في الوقت المحدد لتجنّب زحمة السير أو التقاط القطار إلى العمل. وبذلك، فإنّ تبديل الملابس لبدء العمل شيء أساسيّ، اذ إن الإنتاجية يمكن أن تتأثر إن بقينا في ملابس النوم التي هي مرتبطة في لاوعينا بالاسترخاء والراحة. هناك ارتباط وثيق بين الإنتاجية وهذه التفاصيل الصغيرة التي يمكن أن تغفل عنّا.
ضع أهدافًا لنهارك ضمن خطّة أو برنامج عمل
يعتبر الروتين أساسيًّا للإنتاجية على كل الأصعدة. النمط السلوكي ليس بفكرة مطلقة او مبهمة إنّما يتجلى في برنامج يومي يحدد مسار حياتنا تدريجيًّا. قل لي كيف تقضي نهارك، أقول لك لم من أنت! غالبًا ما نقرن النجاح بالذكاء أو الحظ، ويفوتنا أن للنجاح وصفة سحرية مرادفة للجهد والانضباط! للاستيقاظ وقت، للعمل وقت وللراحة وقت. للاستمتاع بالطعام بهدوء ولتوضيب المطبخ أيضًا وقت! الطبيعة منطبطة بايقاع الفصول، وكذلك هو الشروق كما المغيب!
وفي هذا الإطار، من المفيد تحضير وجبات الطعام مسبقًا للأولاد كي يتمكنوا هم أيضًا بدورهم من متابعة روتينهم اليومي المحدّد والمدوّن أيضًا لوقت العطلة المدرسيّة، وذلك لتجنب مقاطعة عملكما كأب أو أم تعملان من المنزل في حضور الأولاد.
حدّد وقتًا للراحة والمرح
يهدف العمل لعيش حياة كريمة، مثمرة وفاعلة ولكن أحيانًا كثيرة، وفي صخب سعينا للحياة، ننسى أن نعيش، ننسى أو نتناسى أن نستمتع بالحياة! ويصبح وقت الراحة ثقيلًا جدًا! نسعر بشتّى الطرق لملئه بالعمل خوفًا من الراحة! غالبًا ما نشعر بالذنب ونحن نتستمتع بفنجان القهوة الساخن. آباؤنا لم يستريحوا البتّة في حياة كانت أشبه بمعركة أو مخاض دائم لمكافحة الظلم الإجتماعي، الفقر، الحرب، الظلم والعوز. ورثنا في جيناتنا هذا الخوف وتربيّنا عليه. أستحضر كلمات عمّتي، رحمها الله، التي كانت تقول لي "الله يسترنا يا عمتي من هالضحكات!"
الراحة إذًا ليست رفاهية إنما أساسية. نصيحتي الثالثة لك، حدد لنفسك أوقات الراحة. استمتع بها بطريقتك الخاصة إذ يختلف وقت الراحة بالنسبة لك عن الآخرين. بالنسبة لي، فارتشاف القهوة الساخنة مع صوت فيروز تحت أشعة الشمس هو أعذب استمتاع لي، ولكن لا ينطبق هذا الأمر بالضرورة على شريكي أم أولادي. لذلك، علينا ألا نشعر بالذنب جرّاء ذلك، ففرادة وخصوصية كلّ كائن هي إضافة وليست عبء!
حافظ على وقت نوعي مع العائلة
أستذكر جارتي في منزلي الصيفي في لبنان، التي كانت تجلس وحيدة كل صباح ترتشف القهوة وحيدة مع صور أولادها الذين هاجروا. رؤيتها كان تذكير يوميّ لي أن أستمتع بأولادي في الوقت المتبقي لهم معي قبل انطلاقهم للحياة! يقول جبران خليل جبران "أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة." وها هي الحياة، تعطينا فرصة لا تعوض بالاستمتاع بهم، بالضحك واللعب معهم، بمشاهدة صور وأفلام طفولتهم! ها هي الحياة رغم الوباء، تعطينا فرصة ذهبية للتعويض عن وباء العزلة داخل جدران البيت الواحد والخلل الواضح والمتراكم بتحديد أولوياتنا. الحب لدى الطفل مرادف للوقت النوعي، الاهتمام والمرح! بعد قليل ستجرفنا الدنيا بسرعتها القياسية خارج جدران المنزل. لنستمتع إذًا بنعمة إهداء الوقت لمن يكون الوقت معهم لا يقدّر بثمنّ!