تجربة شخصية: "لماذا انتحر زميلي في العمل؟"

بدا لي مرحا مفعما بالحياة، ولكن لم تكن هذه الحقيقة.

Stress

A man Source: Pixabay

في الأشهر الأخيرة الماضية، أتيحت لي الفرصة بالعمل مع احدى المنظمات المتخصصة في أبحاث العلوم والتكنولوجيا وتصنيع المعدات الطبية والمختبرية.

التقيت في الايام الأولى هناك بأحد الاشخاص. وكان من القلائل الذين كانوا يسألوني كل يوم، كيف حالك؟ وهل أشعر بالراحة في مكان عملي الجديد. بالرغم من أنها محادثة كانت تستمر لأقل من دقيقتين، الا أنها كانت تشعرني بأني مرحب بي، وأن هناك أشخاص يهتمون بوجودي معهم، وبكيف يسير حالي في مكان كنت لا زلت أشعر بأني ضيفة فيه، وتحت المجهر.

يوما بعد يوم، أصبحت هناك مواضيع مشتركة بيننا عن العمل، والتخطيط للمشاريع، اذ انه كان من أهل الاختصاص، ومن أكثر المدراء كفاءة في التخطيط للمشاريع الجديدة ووضع الخريطة العملية لتطبيقها. كانت رائحة طعامه الشهية تملأ أرجاء المكتب كل يوم لتذكرني بأنه حان موعد الغداء.
Workplace diversity leads to better results
Source: Supplied
وفي نهاية يوم الجمعة، 10 من أيار/مايو 2019 طلبت منه مساعدتي في التخطيط ووضع استراتيجيات العمل لمشروعي الجديد. هذا الطلب كان كفيلا بأن يخبرني عن تاريخه في العمل وعن انهائه لدرجة الماجستير في التخطيط للمشاريع، قبل بضعة أشهر فقط، وبأنه ينتظر شهادته عبر البريد. فسألته لماذا لا تحضر مراسم حفل التخرج في الجامعة لكي تستلم شهادتك في ظروف احتفالية.

أذكر انه ضحك بخجل وقال، لا أحب التجمعات الكبيرة، أفضل أن أستلمها عبر البريد.

لم أدخل في التفاصيل، وعدنا للحديث عن المشروع الذي أنوي التخطيط له، تحت اشرافه. وحددنا تاريخ اجتماعنا الأول، بعد أسبوعين من هذا اليوم. وعدنا للنظر في شاشات حواسيبنا.

وعندما حان موعد الانصراف من العمل، لممت أغراضي واستعددت للرحيل من المكان وقلت له "وداعا جاري، شكرا مقدما على دعمك لي في المشروع القادم. أتمنى لك عطلة نهاية أسبوع جميلة، أراك يوم الأثنين المقبل."

صباح الاثنين، وصلت الى العمل عند الثامنة والنصف صباحا، وهو عادة ما يصل عند التاسعة. انهمكت في عملي لساعة ونصف تقريبا، ولكن، عند الساعة العاشرة، سمعت بعضا من زملائنا يسألون عنه، لأنه كان مطلوبا في اجتماع.

رأيت أحد موظفات الاستقبال تقترب من مديره وتقول بأن أخاه في الخارج، ويطلب التحدث مع مديره. أكملت عملي، وقلت في نفسي ربما تعطلت سيارته، أو يشعر بوعكة صحية، اذ كان يتغيب عن العمل بعض الأحيان لأسبوع كامل.

لم أنتظر كثيرا لأعرف، اذا جاءت مديرة شؤون الموظفين وقالت لي،" مرام اجتماع طارئ للجميع". كانت ترتجف، وعيناها محمرتان. تحركت مسرعة، وتوجهت لقاعة الاجتماع، ووجدت الجميع هناك. قالت السيدة، انا آسفة، زميلكم .... لن يأتي الى العمل اليوم، ولا غدا. اليوم حضر أخاه ليخبرنا أنه انتحر يوم السبت الفائت."

أحسست بدوار، وكأني فقدت نظري لثانيتين، وبدأت أرتعش. كانت صدمة مفجعة. لم تأخذ عيناي اذن مني، وسمحت لدموعي بالانهمار كسيل جارف. هذه أول مرة، أتعرض لمثل هذا الموقف، اذ اني لم أعرف يوما أحدا في دائرتي الاجتماعية قام بالانتحار من قبل. لم أعرف كيف أتمالك أعصابي.
PA Wire
PRESS ASSOCIATION Photo. Picture date: Monday March 9, 2015. Photo credit should read: Dominic Lipinski/PA Wire Source: Press Association
بعدها، عرفت بأنه كان يصارع مرضا نفسيا لسنوات طويلة، يسمى Body Dysmorphia/ اضطراب التشوه الجسدي.

هذا الاضطراب، يدفع الشخص للتفكير المتواصل في عيب أو أكثر في مظهره الخارجي. وقد يكون هذا العيب بالنسبة للآخرين بسيطًا أو لا يمكن ملاحظته. ولكنه يُشعر المصاب به بالخجل والقلق لدرجة أنه قد يتجنب العديد من المواقف الاجتماعية.

قلت في نفسي، يا ليتني كنت أعرف، ربما كنت حاولت بأن أقدم له البعض من الكلمات الإيجابية المحفزة في كل صباح. أنا أعلم أنه قد لا تكون هذه الكلمات كافيه لإنقاذ حياته، ولكن من يدري...فقد ضاعت الفرصة الان.

هذه التجربة التي مررت بها كشفت لي عن أهمية التواصل الاجتماعي في تخفيف الألم النفسي، ومد يد العون لمن يعاني بصمت.

جعلت من اليوم 12 أيلول/سبتمبر يوما مهما بالنسبة لي، انه يوم "هل أنت بخير" أو "R U OK".

اذ تحي استراليا هذه المناسبة في جميع أنحاء البلاد، وهو شعار أطلق في عام 2009 من بعد أن نشرت نتائج بحث أثبتت أن التواصل الاجتماعي مع الأشخاص يؤثر إيجابيا على حالتهم النفسية.

ان لم تسمع بهذا اليوم الوطني من قبل، وقمت بجولات في الشوارع الاسترالية اليوم، أو ذهبت الى مكان عملك، قد يسألك شخص أو أكثر Are You Ok.

انه ليس مجرد سؤال، انه يوم وطني مخصص للتواصل مع الآخرين والاطمئنان عن حالتهم النفسية.

اذ أظهر استطلاع للرأي أجري حديثا، أن أكثر من 10 ملايين من البالغين الاستراليين قد التقوا شخصا أو كانوا يعرفون شخصا مات منتحرا جراء أزمة نفسية.

ووفقًا لأحدث البيانات المتاحة، توفي 3128 شخصًا منتحرا في أستراليا في عام 2017.

هل أنت بخير؟ هي أيضا منظمة أسسها الراحل Gavin Larkin في عام 2009 كمشروع شخصي لتكريم والده، Barry Larkin، الذي انتحر في عام 1996.
The Larkin family.
The Larkin family before Gavin and Gus's cancer diagnoses. Source: Supplied
وتتمثل مهمة المنظمة في إلهام وتمكين الجميع من التواصل مع الأشخاص من حولهم، ودعم أي شخص يتعرض لضغوطات نفسية في حياته.

وبحسب مؤسسة أستراليا لمنع الانتحار،"الانتحار لا يؤثر فقط على الشخص الذي مات، ولكن من الواضح أن تأثيره يمتد لأسرته ولأصدقائه ولمكان عمله ولمجتمعه الأوسع".
Nieves Murray
Source: SBS
وتقول نيفيس موراي الرئيسة التنفيذية للمؤسسة، ان على جميع الأستراليين التواصل مع أي شخص يعتقدون أنه يمر بظروف قاسية، وقالت: "هناك اعتقاد خاطئ بأن [السؤال عن الانتحار] قد يؤدي إلى الانتحار، لكن هذه خرافة تحتاج إلى تعديل".

يمكن للقراء الذين يسعون للحصول على الدعم والمعلومات حول منع الانتحار الاتصال بـ  Lifeline  على رقم 131114  أو على الرقم 1300659467 وخط  مساعدة الأطفال  على 1800 55 1800 (حتى سن 25). 

يتوفر المزيد من المعلومات حول الصحة النفسية على الموقع التالي لمنظمة Beyond Blue.

شارك

5 مدة القراءة

نشر في:

آخر تحديث:

By Maram Ismail


Share this with family and friends


تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand