ماري، وهو اسم مستعار حفاظاً على الخصوصية، قدمت من جزر سليمان إلى أستراليا عام 2023 ضمن برنامج تنقّل العمالة الأسترالية في المحيط الهادئ (PALM)، وهو برنامج تأشيرات مؤقتة يهدف إلى سدّ النقص في سوق العمل عبر استقدام عمال من تسع دول في المحيط الهادئ وتيمور-ليستي.
تقول ماري إنها عُيّنت للعمل في مزرعة طماطم بولاية فيكتوريا، لكنها لم تحصل على ساعات العمل المتفق عليها. وبعد خمسة أشهر قررت مغادرة البرنامج، ما أفقدها التأشيرة وحق العمل والوصول إلى الخدمات الطبية. حاولت لاحقًا التقدّم بطلب تأشيرة حماية، لكنها تقول إنها تعرّضت للاحتيال من قبل وكيل هجرة تقاضى 700 دولار ثم انقطع عن التواصل، قبل أن يُرفض طلبها.
انتقلت ماري إلى منطقة إقليمية في نيو ساوث ويلز للعمل في قطف البرتقال مقابل أجر نقدي، وهو خيار شائع بين العمال المنفصلين عن برنامج PALM الراغبين بالبقاء في البلاد. لاحقًا حملت، ومع غياب التغطية الصحية تكفّل الصليب الأحمر بتكاليف الولادة في المستشفى. وعند إجراء مقابلة معها بعد أربعة أشهر من الولادة، لم يكن طفلها يحمل شهادة ميلاد. وصدرَت الشهادة يوم الخميس عقب تغطية أس بي أس لتجارب عمال PALM. ورغم ذلك، لا يزال الطفل بلا أي وضع قانوني ساري، في حالة مماثلة لوالدته.
مواليد بلا وثائق
يقول كين داتشي من منظمة Welcoming Australia إن بلدة ليتون الإقليمية في نيو ساوث ويلز وحدها تضم ما لا يقل عن 11 طفلًا، تتراوح أعمارهم بين 3 أشهر وأقل من 4 سنوات، في ظروف مشابهة. ويطالب بالاعتراف العاجل بهذه الفئة ومنحها تأشيرات لتفادي بقائها بلا هوية.
من جهتها، أفادت وزارة الشؤون الداخلية بأن على حاملي التأشيرات إبلاغها فور ولادة طفل في أستراليا للنظر في إضافته إلى تأشيرة الوالدين. غير أن هذا الإجراء لا ينطبق على العمال المنفصلين عن برنامج PALM الذين لا يحملون تأشيرات.
تشير البيانات إلى أن أكثر من 7000 عامل انفصلوا عن البرنامج منذ عام 2019، وبقي كثيرون منهم في أستراليا بلا وضع قانوني أو على تأشيرات انتقالية. ومن بينهم زوجان من فانواتو التقيا أثناء العمل وأنجبا طفلة قبل نحو 4 سنوات. ورغم امتلاك الطفلة شهادة ميلاد، لا تحمل جواز سفر ولم تُضف إلى تأشيرة والديها، ما يحرمها من ميديكير. ويقول الزوجان إن إقامة ليلة واحدة في المستشفى كلّفتهم قرابة 3000 دولار.

Welcoming Australia's Ken Dachi wants to see government intervention to grant visa status to undocumented children. Source: SBS / Apple Photos Clean Up
مستقبل غير واضح
يتحدث عامل من جزر سليمان أكمل عقدًا لمدة 3 سنوات ضمن برنامج PALM في كوينزلاند، لكنه لم يعد إلى بلاده بعد انتهاء التأشيرة بسبب إنجابه طفلًا في أستراليا. يعيش اليوم على تأشيرة انتقالية، ويقول إنه يواجه حالة عدم يقين بشأن طلب الحماية، وإن رُفض فسيعود للعمل الزراعي مؤقتاً.
توضح الطبيبة تروودي بيك، وهي اختصاصية توليد في واغا واغا، أنها تستقبل أسبوعيًا نحو 5 حالات حمل لنساء من برنامج PALM، وأن كثيرات يطلبن إنهاء الحمل خشية خرق شروط التأشيرة. وتشير إلى أن التأمين الصحي الخاص الذي يدفعه العمال لا يغطي رعاية الحمل، ما يفرض تكاليف مرتفعة من الجيب، داعية إلى توفير وسائل منع حمل طويلة الأمد وتعزيز التوعية قبل وصول العاملات.
مخاطر واستغلال
تتباين أسباب الحمل بين عاملات PALM، لكن خبراء يشيرون إلى أن بعضها يرتبط بعنف جنسي وسكن غير ملائم. وتدعو جهات مجتمعية إلى مراعاة الأطر الثقافية، خاصة ما يتعلق بالسكن المختلط. كما تحذّر منظمات خدمات الاستيطان من هشاشة أوضاع النساء، وتوصي بتدريب العاملين في الخطوط الأمامية على رصد مؤشرات العبودية الحديثة.
يعمل في أستراليا أكثر من 30000 عامل ضمن برنامج PALM في قطاعات مثل الزراعة ومعالجة اللحوم ورعاية المسنين. وقد دُفع أكثر من 180 مليون دولار ضرائب دخل في السنة المالية الماضية. وفي المقابل، سُجّلت 288 تحقيقًا لهيئة Fair Work Ombudsman منذ 2019، واستُعيد 807000 دولار لصالح نحو 2000 عامل. كما وثّقت تقارير وفاة 45 عاملًا وإصابة أكثر من 230 بين 2020 و2023، وبلغ إجمالي الوفيات منذ 2012 عدد 104.
يرى مسؤولون سابقون وخبراء أن معدلات الوفيات والإصابات مقلقة، فيما تؤكد الحكومة أن أي وفاة في مكان العمل غير مقبولة، وأن غالبية الحالات وقعت خارج مواقع العمل. وتشدد على أن البرنامج، في مجمله، يحقق فوائد للعمال ولدول المحيط الهادئ ولأستراليا.

The child of this couple can't access Medicare despite being born in Australia. Source: SBS
دعوات إلى إصلاح عاجل
يدعو مفوض مكافحة العبودية الحديثة إلى عدم تجاهل هشاشة العمال المنفصلين عن البرنامج، محذراً من مخاطر على نزاهة البرنامج. وتقترح Welcoming Australia تنظيم أوضاع هؤلاء عبر تأشيرات نظامية بما قد يحد من طلبات اللجوء ويعود بفائدة ضريبية تُقدّر بنحو 60 مليون دولار سنوياً.
تؤكد وزارة التوظيف وعلاقات العمل أن معالجة انفصال العمال أولوية، وأن فريقاً مخصصًا أُنشئ لإعادة الاندماج حيثما أمكن. كما تشير الحكومة إلى استثمارات بقيمة 440 مليون دولار لتحسين البرنامج وحماية العمال، بما في ذلك ضمان ساعات عمل وحد أدنى للأجور الصافية والمساواة في الأجر.
في ظل ذلك، يبقى أطفال وُلدوا على الأراضي الأسترالية بلا وضع قانوني واضح، وسط نقاش متصاعد حول سبل المعالجة الإنسانية والتنظيمية لهذه الحالات.
شارك


