ما زال المتظاهرون في الولايات المتحدة متمسكون بالفاعليات الاحتجاجية في المدن الأمريكية رغم تهديد الرئيس دونالد ترامب بنشر "الجيش وكل الموارد الفيدرالية" لإنهاء تلك الاحتجاجات. المظاهرات الحالية هي أكبر موجة احتجاجية في تاريخ البلاد منذ حركة الحقوق المدنية في الستينات والتي قادها مارتن لوثر كينغ جونيور للمطالبة بالمساواة للأمريكيين من أصول أفريقية.
الاحتجاجات التي تدخل ليلتها السابعة شهدت خروج الأمريكيين في 140 مدينة بأعداد كبيرة. وحتى الآن تأكد مقتل 5 أشخاص خلال حوادث متفرقة مرتبطة بالاحتجاجات والقبض على آلاف آخرين، فيما شاهد العالم بأسره أعمال الشغب والنهب والإحراق والتي أدت إلى خسائر بملايين الدولارات في الممتلكات والأعمال.
في المقابل أكثر من 20 ولاية استدعت الحرس الوطني للمساعدة في التعامل مع الاحتجاجات وفرضت 40 مدينة حظرا للتجول بهدف الحد من أعمال الشغب الليلة التي صاحبت الكثير من المظاهرات.

Violent protests over the death of George Floyd are continuing across the US. Source: AAP
ولكن حتى الآن لا يبدو أن المتظاهرين قد استجابوا لحظر التجول حيث لا تزال الفاعليات الليلة تحدث، بما في ذلك في العاصمة واشنطن ومدينة نيويورك.
الرئيس ترامب تحدث اليوم من البيت الأبيض لأول مرة منذ اندلاع الاحتجاجات ووجه أكثر الخطابات حدة حتى الآن لمثيري الشغب. وقال ترامب "أنا رئيس القانون والنظام وحليف لكل المتظاهرين السلميين ولكن في الأيام الأخيرة، وقعت أمتنا فريسة لفوضويين محترفين وعصابات عنيفة ومشعلي حرائق وناهبين ومجرمين ومثيري شغب وأعضاء منظمة أنتيفا وآخرين."
وتزامنا مع خطابه قامت قوات الحرس الوطني في العاصمة واشنطن بفض تجمع للمتظاهرين أمام البيت الأبيض باستخدام الهراوات وقنابل الصوت والدخان المسيل للدموع.
وبعد تأمين الطريق أمام البيت الأبيض، سار ترامب بصحبة أعضاء إدارته ورئيس أركان الجيش إلى كنيسة ساينت جون القريبة والتي كانت قد تعرضت لأضرار على يد المتظاهرين خلال الليلة الماضية، وحمل في يده نسخة من الإنجيل لالتقاط الصور أمام الكنيسة.
خطاب ترامب في البيت الأبيض كان واضحا: "أي ولاية أو مدينة سترفض اتخاذ الإجراءات المطلوبة للدفاع عن الأرواح وممتلكات مواطنيها، فسأقوم بنشر الجيش الأمريكي سريعا لحل المسألة لهم."

Trump walked through the park to the nearby St John's Church, for an photo opportunity in which he posed with a Bible. Source: AAP
وأضاف "بينما نتحدث الآن، أقوم بنشر آلاف وآلاف من الجنود المدججين بالسلاح وأفراد الجيش وضباط إنفاذ القانون لوقف الشغب والنهب والتخريب والاعتداءات والتخريب العشوائي للملكيات."
التصريحات قابلتها موجة من الانتقادات من الحزب الديموقراطي والذي يستعد لمنافسة انتخابية شرسة في نوفمبر تشرين الثاني على مقعد الرئاسة.
وسارع المرشح الديموقراطي جو بايدن لانتقاد استخدام العنف بحق المتظاهرين أمام البيت الأبيض قائلا: "إنه يستخدم الجيش الأمريكي ضد الشعب الأمريكي. لقد أطلق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين السلميين وأطلق الرصاص المطاطي لالتقاط صورة."
حكام الولايات الديموقراطيين لم يرحبوا أيضا بعرض الرئيس إرسال الجيش لإنهاء الاحتجاجات في ولاياتهم، حيث وصف حاكم نيويورك أندرو كومو خطاب ترامب بالمخزي.
وقال كومو "الرئيس استدعى الجيش الأمريكي ضد مواطنين أمريكيين." وأضاف "استخدم الجيش لدفع المتظاهرين السلميين من أجل جلسة تصوير في كنيسة."
وقال حاكم ولاية أيلينوي JB Pritzker إن قرار نشر القوات "غير قانوني". وأضاف "لا يمكنه فعل ذلك. لن نطلب مساعدة الجيش في ولاية أيلنوي. لا أتخيل قيام أي حاكم بفعل ذلك، هذا سخيف."
ولكن مع رفض تصريحات ترامب، استمر الكثيرون من الحزب الديموقراطي وقادة مجتمع الأمريكيين من أصول أفريقية في الولايات المتحدة، بمناشدة المحتجين الحفاظ على سلمية المظاهرات وتجنب أعمال العنف والشغب.
وكررت أسرة جورج فلويد، الذي تسببت وفاته في اندلاع موجة الاحتجاجات الحالية، نفس النداء للمتظاهرين في مدينة مينيابوليس وكافة أنحاء البلاد.
واقعة مقتل جورج فلويد البالغ من العمر 64 عاما، بعد أن وضع ضابط شرطة أبيض البشرة ركبته على عنقه لمدة تسع دقائق كاملة، بينما فلويد يقول "لا أستطيع التنفس"، أثارت غضبا عارما في جميع أنحاء البلاد، خاصة بعد ظهور مقطع مصور للواقعة بأكملها.
الاحتجاجات بدأت في مدينة مينيابوليس التي جرت فيها الواقعة ثم انتشرت إلى باقي المدن الأمريكية، لتصبح أوسع مظاهرات تشهدها البلاد، منذ المظاهرات العنيفة عام 1968 التي أعقبت مقتل قائد حركة الحقوق المدنية، مارتن لوثر كينغ جونيور.
ويقارن الكثيرون المظاهرات الحالية بأعمال الشغب التي شهدتها البلاد عام 1992، بعد إخلاء سبيل الضباط الذين اعتدوا بالضرب المبرح على الأمريكي من أصول أفريقية رودني كينغ.

The former President of the United States, Barack Obama, has shared his photo of this wall with Minneapolis in memory of George Floyd. Source: www.facebook.com/barackobama/
تقارير متضاربة حول أسباب الوفاة
التطورات الميدانية، رافقتها تطورات في سير قضية جورج فلويد، حيث أعلن الطبيب الشرعي الرسمي المسؤول عن تشريح جثمان فلويد إنه توفي بعد إصابته "بسكتة قلبية ساهم فيها قيام عناصر الشرطة بالضغط على عنقه ومحاولة تقييده والسيطرة عليه".
وأضاف التقرير أن "هناك عوامل أخرى مهمة ساهمت في وفاته منها معاناته من أراض في القلب وكونه تحت تأثير مخدر الفنتانيال وقت حدوث الواقعة، وأنه كان قد تعاطى ميثافتامين مؤخرا."
والفنتانيال هو أحد المخدرات الأفيونية القوية المعروفة في الولايات المتحدة.
هذا التقرير الرسمي تضارب محتواه مع تقرير الطب الشرعي الذي خرج قبله بساعات من قبل فريق أطباء شرعيين كلّفتهم العائلة بتشريح جثّة فلويد. وقال التقرير الذي كلفت به العائلة إن الوفاة كانت نتيجة اختناق فلويد جراء الضغط المطول على رقبته.
وقالت أليسيا ولسون، مديرة التشريح والعلوم الجنائية في جامعة ميشيغن أنها عاينت جثة فلويد إن "الأدلة تتوافق مع الاختناق الميكانيكي سببا للوفاة، والقتل طريقة للوفاة".
ونفى هذا التقرير أن تكون أي حالة مرضية أخرى قد ساهمت في وفاته، وقال إن ضغط الضباط الثلاثة الآخرين على ظهره، منع الدم من الدوران في الجسد وبالتالي ساهم في الوفاة.
ويواجه الضابط المفصول الذي ضغط بركبته على عنق تهمة القتل من الدرجة الثالثة، بينما قال قائد الشرطة في مينيابوليس إن الضباط الثلاثة الآخرين شركاء في الجريمة.