في هذا المقال، نستعرض الأسباب التي تجعل الاستئصال الأنبوبي خياراً شائعاً بين الرجال الشبان في أستراليا، وكيف يعكس هذا التوجه التغيرات العميقة في مفاهيم الرجولة والأسرة.
الاستئصال الأنبوبي: قرار جريء في عالم معقد
ترينت كراو، معلم أسترالي في الرابعة والثلاثين من عمره، هو أحد الرجال الذين اختاروا هذا الخيار الجريء في آذار/ مارس الماضي. عندما دخل إلى عيادة في سيدني لإجراء عملية الاستئصال الأنبوبي، كان قراره قد اتُخذ بالفعل. لم يشعر بالقلق أو التردد، بل كان على يقين من أن هذه هي الخطوة الصحيحة بالنسبة له.
يقول ترينت: "نشأت وأنا أعتقد أنني سأصبح أبًا، ليس لأنني كنت أرغب في ذلك، بل لأن هذا هو المتوقع من المجتمع". لكن مع مرور الوقت، بدأ إدراكه يتغير، حيث أصبح يعتقد أن لا مكان للأطفال في حياته المستقبلية. "كلما تعلمت أكثر عن تأثيرات البشر على البيئة، كلما شعرت أن إنجاب الأطفال قد يزيد الأمور سوءًا."
إلى جانب هذه المخاوف البيئية، يضاف إلى ذلك الواقع المالي الذي يشكل عائقاً كبيراً في عالم يشهد ارتفاعًا مستمرًا في التكاليف المعيشية. "حتى مع دخل جيد، لا أستطيع أن أرى كيف يمكنني تحمّل مسؤولية طفل في مثل هذا العالم المليء بالتحديات."
الاستئصال الأنبوبي في تزايد: حقيقة أم مجرد خيار مؤقت؟
رغم أن الاستئصال الأنبوبي كان في الماضي خياراً أكثر شيوعاً بين الرجال الأكبر سناً (فوق الأربعين)، إلا أن الاتجاه الجديد بين الرجال الشبان أصبح أكثر وضوحاً. وفقاً لتقرير مسح "ديناميكيات الأسر والدخل والعمل في أستراليا" لعام 2025، فإن 15% من الرجال الأستراليين قد صرحوا بعدم رغبتهم في إنجاب الأطفال، وهو ارتفاع ملحوظ مقارنة بـ 11% في عام 2005. وقد تزامن هذا مع انخفاض مستمر في معدل المواليد، حيث انخفض من 1.85 طفل لكل امرأة في 1994 إلى 1.48 في 2024.
إحدى العوامل التي تساهم في تزايد نسبة الشباب الذين يختارون الاستئصال الأنبوبي هي تغيرات كبيرة في التصور الاجتماعي للأبوة. في حين كان يُنظر إلى الأبوة في الماضي على أنها جزء أساسي من الرجولة، بدأ العديد من الرجال في هذا الجيل في إعادة تقييم هذه الفكرة، مع الاعتراف بأن الرجولة لا تعني بالضرورة الأبوة.
Since the 90s to 2021, there has been a steady decrease in women aged 45-49 having children in their lifetime.
هل الاستئصال الأنبوبي هو الخيار المثالي؟
الاستئصال الأنبوبي هو إجراء جراحي يتضمن قطع أو ربط القنوات الدافقة، التي تحمل الحيوانات المنوية من الخصيتين. يُعد من أكثر وسائل منع الحمل فعالية، حيث تصل نسبة نجاحه إلى 99.9%. ولا يؤثر على مستويات هرمون التستوستيرون أو القدرة الجنسية، مما يجعله خياراً جذابًا للعديد من الرجال.
الدكتور بنجامين تانغ، الذي يُجري عمليات الاستئصال الأنبوبي في سيدني، أشار إلى أن عدد الاستفسارات من الرجال تحت سن 30 — وحتى تحت سن 25 — قد زاد بشكل ملحوظ. ويعتقد أن هذا التوجه يعكس تحولًا ثقافيًا حيث بدأ الرجال يتخذون مسؤولية أكبر فيما يتعلق بصحة الإنجاب، وهو أمر كان يُعتبر تقليدياً مسؤولية المرأة. وأضاف: "ما نراه هو أن الرجال أصبحوا يتحملون جزءًا من عبء تحديد النسل في علاقاتهم، وهو ما يُعتبر خطوة إيجابية نحو تحقيق المساواة بين الجنسين".
A vasectomy cuts the vas deferens, the tubes that carry sperm from the testicles. Source: SBS
الضغوط الاجتماعية والاقتصادية: لماذا يختار الرجال البقاء بدون أطفال؟
إن تزايد القلق بشأن تغير المناخ، إلى جانب الضغوط الاقتصادية مثل غلاء المعيشة وأسعار الإسكان المرتفعة، بات يشكل عائقاً حقيقياً أمام الشباب الذين يفكرون في إنجاب الأطفال. وفقاً للباحثة ليز ألين، التي تعمل في جامعة أستراليا الوطنية، فإن "الأعباء المالية، إضافة إلى القلق البيئي، تجعل من اختيار عدم الإنجاب خيارًا عقلانيًا ومسؤولًا بشكل متزايد."
ويستشهد ترينت بمثال من جيل آبائه قائلاً: "يبدو أن الكثير من الأشخاص الأكبر سنًا الذين لديهم أطفال يعلقون قائلين: 'لو كنت في سنك الآن، لما فكرت في الإنجاب. الوضع الآن مختلف تمامًا.'"
Dr Benjamin Tang said he has seen an increased interest in men under 30 inquiring about vasectomies. Source: SBS / Matt Gazy
الوصمة الاجتماعية: كيف يتعامل الرجال الشبان مع اختياراتهم؟
على الرغم من أن ردود الفعل تجاه قرار ترينت كانت في الغالب داعمة، إلا أنه يعترف بأن هناك بعض التحديات الاجتماعية التي يواجهها. ومع ذلك، يرى أن الموضوع يبدو مختلفاً بالنسبة للنساء. "لا أعرف امرأة واحدة اختارت أن تبقى بلا أطفال ولم تتعرض للضغط الاجتماعي أو الهجوم بسبب قرارها."
وفي حين أن الاختيارات غير التقليدية للأبوة تصبح أكثر قبولًا، فإن الضغوط الاجتماعية على النساء اللاتي يختارن البقاء بدون أطفال لا تزال قائمة، وهو ما يتعين على المجتمع أن يعيد التفكير فيه.
Demographer Liz Allen sites cost-of-living as one major reason many younger people are choosing to be child-free. Source: Getty / William West/AFP
الرجولة وإعادة تعريف الأبوة: كيف يغير الاستئصال الأنبوبي مفهوم الذكورة؟
قبل اتخاذه لقرار الاستئصال الأنبوبي، كان ترينت يربط الرجولة بالأبوة. ومع مرور الوقت، بدأ يرى أن الرجولة لا تتعلق بالضرورة بإنجاب الأطفال. "لم أكن أعتقد أبداً أن مهمتي في الحياة هي أن أكون أباً. الرجولة بالنسبة لي هي ما أريد أن أكونه."
ويضيف الدكتور تانغ: "هذه التغييرات في تصورات الذكورة تعكس تحولًا إيجابياً في كيفية فهم الرجال لدورهم في المجتمع وفي علاقاتهم".
تتزايد أعداد الرجال الذين يختارون الاستئصال الأنبوبي كخيار دائم في أستراليا، وهو ما يعكس تغيراً ثقافياً في فهم الأبوة والرجولة. بينما يتعامل المجتمع مع هذه الظاهرة، يبقى السؤال: هل سنشهد في المستقبل تحولاً أكبر في مفاهيم الإنجاب والتخطيط العائلي؟ في ظل الضغوط الاقتصادية والبيئية، قد يكون خيار البقاء بلا أطفال هو الخيار الأكثر منطقية للكثيرين.
شارك
