في خطوة غير مسبوقة، فتحت الحكومة الأسترالية في 16 حزيران/ يونيو الجاري باب التقديم على برنامج تأشيرات خاص بمواطني توفالو، بموجب معاهدة "فالبيلي" التي أبرمتها مع هذه الدولة المهددة بالغرق. ويتيح البرنامج منح 280 تأشيرة سنويًا، تُمكّن التوفاليين من الإقامة والعمل والدراسة في أستراليا، بعيدًا عن أمواج ترتفع كل يوم.
وطن يُبتلع وبحث عن يابسة جديدة
بحسب أرقام رسمية نقلتها وكالة "رويترز"، سجّل حتى الآن 1,124 مواطنًا توفاليًا أسماءهم ضمن هذا البرنامج، وارتفع العدد الإجمالي مع أفراد أسرهم إلى أكثر من 4,000 شخص، أي ما يزيد عن ثلث سكان البلاد.
المخاوف ليست وليدة الساعة. فالعلماء يحذرون منذ سنوات من أن توفالو قد تصبح غير صالحة للحياة خلال العقود الثمانية المقبلة. وتشير تقديرات وكالة "ناسا" إلى أن نصف جزيرة "فونافوتي" التي تؤوي 60% من سكان توفالو، قد تُغمر بالمياه بحلول عام 2050. لا يتعدى ارتفاع البلاد عن سطح البحر مترين، وقد شهدت في العقود الثلاثة الماضية ارتفاعًا في مستوى البحر بلغ 15 سنتيمترًا، أي ما يعادل مرة ونصف المعدل العالمي.
وفي محاولة يائسة لمقاومة الغرق، أنشأت الحكومة 7 هكتارات من الأراضي الاصطناعية، على أمل أن تصمد حتى نهاية القرن.

أعلن رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز (الثاني من اليسار) ورئيس وزراء توفالو كوسيا ناتانو (على اليمين) عن معاهدة اتحاد فاليبيلي في عام 2023. Source: AAP / Ben McKay
القرار الأثقل
يقول ألُوبي لاتوكيفو، مدير المركز العالمي للعدالة الاجتماعية، إن تأثيرات التغير المناخي ليست سيناريوهات مستقبلية، بل واقعًا صارخًا تعيشه توفالو يوميًا:
المجتمعات التوفالية تواجه صعوبات حقيقية في أمن الغذاء والماء، إضافة إلى التهديد المستمر من المدّ العالي والعواصف القاسية.
ويُضيف أن قرار المغادرة ليس قرارًا سهلاً، بل هو انفصال مؤلم عن الأرض والجذور والثقافة. فالهجرة بالنسبة للكثيرين ليست خيار رفاهية، بل وسيلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة ومستقبل.
تأشيرة بامتيازات غير مسبوقة
يصف البروفيسور ستيفن هاوز، مدير مركز سياسات التنمية بالجامعة الوطنية الأسترالية، تأشيرة "فالبيلي" بأنها واحدة من أكثر التأشيرات سخاءً في تاريخ الهجرة الأسترالية، إذ تتيح لحامليها الحصول على ميديكير، ودعم الأسرة، والتعليم، دون الحاجة إلى فترات انتظار مرهقة كما هو معتاد.
وتوضح البروفيسورة جين ماكآدام، مديرة مركز كالدور لقانون اللاجئين بجامعة نيو ساوث ويلز، أن المعاهدة التي أُنشئت بموجبها هذه التأشيرة تُعد الأولى عالميًا التي تأخذ تهديد التغير المناخي في الاعتبار: "رغم أن نص التأشيرة لا يذكر كلمة ’تغير المُناخ ‘، فإن المعاهدة التي ولِدت منها تنبع من إدراك عميق للتهديد الوجودي الذي يواجه توفالو."
وفي إعلان المعاهدة عام 2023، وصف رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي الاتفاق بأنه "اعتراف صريح بالظروف الفريدة لتوفالو كدولة مهددة بالفناء تحت تأثير المناخ".
الإنسانية أم المصالح؟
ورغم الطابع الإنساني للاتفاق، إلا أن لأستراليا فيه مكاسب استراتيجية واضحة. فقد نصت المعاهدة على منح كانبرا حق النقض لأي اتفاقية أمنية تُبرمها توفالو مع دول ثالثة، بند يُنظر إليه على نطاق واسع كخطوة لتقليص نفوذ الصين في المنطقة.
الوقت ينفد والباب مفتوح
باب التقديم على التأشيرات يُغلق في 18 تموز/يوليو، فيما حددت الحكومة الأسترالية سقفًا سنويًا قدره 280 تأشيرة فقط، في محاولة لتجنب نزيف العقول من توفالو.
اليوم، تقف توفالو على شفير الموج، تحاول الصمود بما بقي لها من يابسة وكرامة. لم تعد الهجرة خيارًا مرفّهًا، بل قارب نجاة من محيط لا يرحم. والسؤال الذي يطفو مع كل موجة: كم من الوقت تبقّى لوطن يُبتلع؟