منذ نهاية الحرب العالمية الثانية واعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، خطت العديد من الدول الديمقراطية خطوات جادة نحو ضمان الحقوق الأساسية لمواطنيها عبر تشريعات واضحة ودساتير ضامنة. غير أن أستراليا – وعلى عكس المملكة المتحدة ونيوزيلندا – لا تزال حتى اليوم تفتقر إلى قانون اتحادي شامل يكرّس هذه الحقوق صراحة.
تقرير جديد صادر عن مركز قانون حقوق الإنسان بالتعاون مع معهد ويتلام، كشف النقاب عن خمسين عامًا من المحاولات المتكررة لإقرار ميثاق فيدرالي لحقوق الإنسان في أستراليا، حيث تعاقبت الفرص الضائعة بسبب انقسام سياسي حاد، وظهور حملات تضليل إعلامية شوهت الصورة الحقيقية لهذا المطلب القانوني والحقوقي.
وبحسب التقرير، فإن الأستراليين – أكثر من أي وقت مضى – يشعرون بالحاجة إلى أدوات قانونية تحمي كرامتهم وتضمن العدالة والمساواة، بدلًا من الاعتماد على نوايا السياسيين أو تغيّرات الحكومات المتعاقبة. ويشير التقرير إلى تنامي الدعم الشعبي للفكرة، في مقابل استمرار القوى السياسية في تجاهل هذا المطلب، ما يطرح تساؤلات جدية حول مصير حقوق الإنسان في البلاد.
الناشطة الحقوقية والأكاديمية في جامعة نيو ساوث ويلز، د. ناهد فريتخ، أكدت على جوهر المشكلة بقولها:
يفتقر الدستور الأسترالي إلى وثيقة موحدة لحقوق الإنسان. الافتقار للنصوص الدستورية يصعب مهمة المطالبة بالحقوق بشكل صريح ومباشر.
وهذا النقص لا يتيح للأفراد اللجوء إلى المحاكم للدفاع عن حقوقهم الأساسية، كما هو الحال في دول أخرى تتضمن دساتيرها أو تشريعاتها الوطنية مواثيق حقوقية ملزمة.
وأضافت فريتخ أن أستراليا طرف في العديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وتصلها توصيات مستمرة من لجان أممية تحثّها على "إدراج ميثاق حقوقي فيدرالي بأطر واضحة"، إلا أن الاستجابة لذلك كانت دومًا مترددة وغير كافية.
وتعترف فريتخ بأن البلاد لا تفتقر تمامًا للتشريعات المتعلقة بالحقوق، إذ توجد قوانين لمكافحة التمييز، لكنها تبقى جزئية وغير كافية:
رغم وجود قوانين تحمي من يتعرضون لمكافحة التمييز، إلا أن ذلك لا يكفي. هذه القوانين تتضمن التمييز بناءً على الجنس والعرق والإعاقة، ولا تتضمن مجالات أخرى.
وهذا يعني أن العديد من الجوانب الجوهرية في الحياة، مثل حرية الرأي أو الخصوصية أو المحاكمة العادلة، لا تحظى بحماية قانونية مضمونة.
وترى د. فريتخ أن الحل واضح ومباشر: "إذا تم إقرار الميثاق الفيدرالي الشامل، سيؤدي ذلك لحماية قانونية أوسع، وسيحصل الأفراد على حماية واضحة لحرية التعبير عن الرأي، والمساواة، والخصوصية، وضمان حق المحاكمات العادلة."
ومع تصاعد التحديات الحقوقية في العصر الرقمي، واستمرار التمييز ضد بعض الفئات، فإن غياب ميثاق شامل لحقوق الإنسان في أستراليا لم يعد مجرد ثغرة قانونية، بل أزمة أخلاقية وسياسية ينبغي معالجتها عاجلًا حسبما يقول الخبراء.
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على أبل و أندرويد وعلى SBS On Demand.