صدر مؤخرًا في سيدني، كتاب" لا تسألوا الأشجار عن اسمها»، كتبته تسع نساء عربيات سردت كل واحدة منهن فيه ذاكرتها في الهجرة والميلاد والانتماء والوجع والأمل. هذا العمل الجماعي الذي جمع سيدات من لبنان، فلسطين، والسودان، ليس مجرد سيرة ذاتية؛ بل فسيفساء إنسانية تنبض بالحنين والكرامة والمقاومة الناعمة.
ولدت فكرة الكتاب في عزّ الصمت الذي فرضه وباء كورونا عام 2020، حين اجتمعت نساء عربيات في جلسة افتراضية، تديرها الدكتورة عُلا غنّوم، الباحثة في علم النبات، القادمة من طرابلس اللبنانية إلى أستراليا طلباً للعلاج والأمان. تقول: بدأت الفكرة رغبةً في كتابة قصة عائلتي، لكننا اكتشفنا أن كل واحدةٍ منّا تحمل غابةً كاملة من القصص، فقرّرنا أن نكتبها معاً.
حين تكتب النساء وجه الاغتراب
من طرابلس التي غادرتها سيفين طبوش على وعدٍ بالعودة خلال عامين، امتد الغياب نصف قرن، إلى عكار التي تركتها نهى فرانسيس على ظهر الخوف، إلى الخرطوم التي ودّعتها ماري حنون بقلبٍ يضجّ بالموسيقى، مرورًا بذاكرة فلسطين التي تسكن كلمات مريم معتوق ،إلى الجنوب في كينونة كاميليا نعيم، حتى تجربة هند صعب بين الغربة و الحنين للوطن و" الضيعة" في لبنان. في هذا الكتاب، تتقاطع الحكايات جميعها عند جملةٍ واحدة: أن الهجرة ليست فصلاً من النهاية، بل بداية لفهم الذات.
تقول نُهى:
في اللحظة التي أدركت أن إقامتي هنا طالت، قررت ألا أكون زائرة في حياتي، بل أزرع جذوراً جديدة على هذه الأرض البعيدة.
أما لُبنى هيكل، الطبيبة القادمة من الأشرفية في بيروت، فكتبت نصها بعنوان «عمود الملح»، تصف فيه ذوبان الذاكرة بين وطنين، قائلةً: "جئتُ أحمل في حقيبتي جرن الكبة وقطعة من بيروت، كي لا أنسى طعم المكان الأول".
كاتبات الكتاب
تروي مريم معتوق، القادمة من مخيم فلسطيني، كيف تحوّل الطبخ إلى فعل مقاومةٍ ناعم، توصل به رائحة القدس إلى مائدةٍ أسترالية.
أما ماري حنون من السودان، فتحمل صوتاً مختلفاً، صوت من بدأ من الصفر: فتقول: «عملتُ عاملة نظافة عند وصولي، ولم أخجل يوماً، لأن الكرامة ليست في الألقاب، بل في الطريقة التي نحمل بها تعبنا.»
أما الكاتباتان كاميليا نعيم وهند صعب فتسردان تجربتهما بين الهجرة واغتراب الروح بين لبنان في ذاكرتهن ووجدانهن والواقع الصعب الذي يمر به الوطن الأم وهن يقارن ذكريات الماضي الجميل مع الواقع اللبناني الصعب عليهن وعلى أولادهن والهدوء والاستقرار في الوطن الجديد أستراليا.
كلّ واحدة من هؤلاء النساء، كتبت لتتذكّر، لكنها في الكتابة نسيت خوفها. فالمنفى علّمهن أن الوطن ليس جغرافيا، بل شعورٌ يُزرع في القلب ويُروى الذكريات.
غابة النساء وشجرة الوطن
في الكتاب، تتحول الأشجار إلى رمزٍ خفيّ لكل امرأةٍ نُقلت من أرضها. فكما تبقى الشجرة حيةً في تربةٍ جديدة، تتعلم هؤلاء النساء أن يمددن جذورهن حيث وُضعن، دون أن ينسين رائحة الأرض الأولى. يكتبن، لا ليبرّرن الرحيل، بل ليصنعن من الغربة بيتًا جسدنه بالكلمات التي صنعت هذا الكتاب.
استمعوا لتفاصيل حكاية كل مهاجرة عربية، بالضغط لى الزر الصوتي في الأعلى.