تسببت العزلة التي فرضها فيروس كورونا على حياتنا، باحتجاز عدد لا يحصى من الأطفال في المنزل ولا شك أن الأسئلة التي تدور في خلدهم كثيرة فهم كغيرهم متأثرون ومؤثرون أيضاً في الواقع الجديد الذي جاء به وباء كوفيد-19.
كيف يمضون أيامهم بعيداً عن الأصدقاء ومقاعد الدراسة؟ هل يخافون من المستقبل؟ هل يعرفون أصلاً ما يمثله فيروس كورونا؟ هذه بعض من الأسئلة التي طرحناها على الأطفال السبعة المتواجدين في مدينتي سيدني وملبورن، أكبر المدن الأسترالية وأكثرها تأثراً بالفيروس.
"مرض" أو "شيء غريب يتنقل بين الناس ويصيبهم بالعدوى" بهذه الكلمات الصغيرة المعبرة أجاب على سؤالنا كل من محمد التميمي وزينة محمد وكلاهما لا يتجاوز عمره العشر سنوات.
أما آنا-ماي عبدالله (11 سنة) فكانت إجابتها أكثر تفصيلاً: "هو فيروس ينتقل بين الأشخاص ويسبب لهم مشاكل في أجسامهم."
أصاب الأطفال الثلاثة في أوصافهم "البسيطة" للفيروس المعقد الذي خلف حتى الآن أكثر من مليون قتيل حول العالم وبلغت حصيلة إصاباته ما يفوق الأربعة وثلاثين مليوناً في شتى أصقاع الأرض.

What is the first thing children will do when the Corona crisis ends? Source: Supplied
ومن بين الإجابات على هذا السؤال، أقلقتنا إجابة زياد محمود (7 سنوات) والذي بدا متأثراً بالتغطية الإعلامية الشرسة لعداد ضحايا كورونا: “هو فيروس يقتل الناس، ويمكن أن يقتلني أيضا."
أنا لا أريد ان أموت.
كيف أثر الوباء على حياة الأطفال؟
وكأننا من عالم آخر، لم يخطر ببالنا أن تكون حياة الأطفال قد قُلبت بالفعل رأساً على عقب فمن يسترق النظر من بعيد إلى عالم الأطفال يعتقد واهماً أن ألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي تشكل الركن الأساسي في حياتهم. "لم أعد أتمكن من لقاء أصدقائي" كانت الإجابة الأكثر شيوعاً لدى الأطفال السبعة.
وبدا منير التميمي (16 سنة) أكثر تقديراً للأوقات التي يقضيها مع العائلة خارج المنزل فهو من سكان ملبورن وقيود المرحلة الرابعة التي استمرت لأكثر من شهرين منعته من التمتع بالمساحات الخارجية الواسعة التي توفرها المدينة ومقاهيها المترامية على أرصفتها الواسعة.
"أشعر بالملل": الدراسة عن بعد
تعترف لارا عطية (10 سنوات) وهي من سكان ملبورن أن فكرة الدراسة عن بعد كانت تستهويها في البداية: "الدراسة أونلاين كانت مقبولة في الأول ولكن بعد فترة أصبحت أشعر بالتوتر والملل." أما منير التميمي المنخرط في أولى سنوات الدراسة الثانوية فقال لنا: "هناك مواد يصعب فهمها أونلاين."
وإذا تذكرنا أيام المدرسة (نعم نحن مواليد السبعينات والثمانينيات) لأجمعنا على كره الاستيقاظ باكراً.
هيا عطية أيضاً توافقنا الرأي ولكن سرعان ما غيرت من انطباعها: "ظننت في البداية انه كان أفضل قرار على الاطلاق لأنني لا أضطر للاستيقاظ مبكرا. ولكن اتضح انه ممل للغاية ولم أرد أن أقوم بواجباتي المدرسية ولكن مضطرة."
وكان لآنا- ماي عبدالله رأي آخر: "كان صعبا لأنه عندما كنا ننهي عملنا كنا نضطر للاتصال بمعلمتنا لتعطينا المزيد من الواجبات المدرسية!"
زياد محمود: معلمتي تتحدث كثيراَ!
"أقضي يومي بملابس النوم": إيجابيات كورونا في عيون الأطفال
تماماً كالكبار الذين اضطروا للعمل من المنزل واستمتعوا في البداية بحضور الاجتماعات الرسمية "بالشورت"، حظي الأطفال بفرصة التخلص من عبء الزي المدرسي الممل. وكان محمد التميمي أكثر صراحة معنا: "أكثر ما يعجبني في كورونا أنني أصبحت أنام أكثر واسترحت من رؤية معلماتي يومياً!"
وعلى الجانب الآخر وفي ملبورن تحديداً، استفادت الأختان لارا وهيا عطية من "الحبسة" في البيت "فأصبحتا تستيقظان في أي وقت وتقضيان يومهما بملابس النوم."
أما ابن السبع سنوات زياد محمود فبدا مقدراً لنعمة تواجد والده في البيت لفترة أطول "ليلعب معه بالكرة."

How has the pandemic affected children's lives? Source: Supplied
"نتفلكسing": ماذا يفعل الأطفال عندما يشعرون بالملل؟
مثير للاهتمام حقاً أن نتفلكس – منصة مشاهدة رقمية – تسلل إلى عالم الصغار وأصبح مرادفاً لمعنى التسلية في زمن كورونا فقد تمكنت الشبكة من زيادة عدد مشتركيها بشكل ملحوظ مع دخول الوباء مرحلته المقلقة في نيسان أبريل الماضي. هذا التأثير على الأطفال بدا واضحاً في جواب هيا على سؤالنا: "أشاهد الأفلام على نتفلكس او اتصفح وسائل التواصل الاجتماعي."
أما زينة محمود فيبدو أن خياراتها أكثر كلاسيكية: "أحب أن أرسم وألتقط صورا لنفسي." ولارا عطية تحاول الموازنة بين الخروج من المنزل – بشكل محدود ولا يتجاوز ساعة تريض خلال ذروة الوباء – وقضاء الوقت "عن بعد" مع أصدقائها في اللعب عبر شبكة الانترنت.
ما هو أول شيء سيفعله الأطفال عند انتهاء أزمة كورونا؟
أول ما سيفعله محمد التميمي – الطفل الذي ارتاح من رؤية معلماته – هو لقاء أصدقائه وجهاً لوجه، فلربما ذكر الوباء الأطفال بأهمية التواصل بشكل مباشر ودون أقنعة الكترونية. أما زياد (7 سنوات) فسيتوجه على الفور إلى محال بيع الملابس لأنه ربما أصابه الملل من ارتداء "البيجاما" طوال الوقت في المنزل!
واتفقت آنا- ماي عبدالله ولارا عطية على فكرة السفر بمجرد انتهاء أزمة الوباء – الذي سيراقنا إلى حين العثور على لقاح فعال. آنا ترغب بزيارة لبنان لترى جدها وجدتها أما لارا: " سأسافر الى مصر واليونان وجزر هاواي" يبدو أنها لم تفكر في المسافات الشاسعة التي تفصل الوجهات التي ترغب بالتوجه إليها!
"رئيس الوزراء قام بعمل جيد": كيف سيدير هؤلاء الأطفال أزمة الوباء إذا كانوا وزراء؟
لا أعتقد أن الأطفال اطلعوا مسبقاً على نتائج استطلاع رأي نيوزبول في صحيفة الأستراليان قبل أن يجيبوا على أسئلتنا، فشعبية رئيس الوزراء سكوت موريسون والتي كسر فيها أرقاماً قياسياً طوال عقود في تاريخ البلاد لم تكن العامل الأهم الذي حسم إجابة الأطفال على سؤالنا عن تقييم أداء حكومة البلاد في أزمة الوباء وانما نظرتهم الشخصية لما حدث. آنا-ماي عبدالله قيمت موريسون من منطلق JobKeeper و JobSeeker على ما يبدو: "رئيس الوزراء قام بعمل جيد عندما وضعنا في حظر وقيود ولكن هناك أشخاص كثيرون خسروا أعمالهم ولهذا هو يقدم لهم مساعدة مالية."
"ولكنني كنت سأخلق المزيد من الوظائف للكثيرين الذين خسروها" هكذا استطردت آنا-ماي أما لارا عطية فلو كانت في مقعد القيادة لبحثت عن حلول جذرية: "لو كنت مكانه (سكوت موريسون) لكنت عملت على انتاج اللقاح بشكل أسرع."
هيا: لو كنت رئيسة الوزراء لبحثت عن دواء لعلاج الأعراض المصاحبة للمرض بكورونا.
زينة محمود اتخذت مساراً مشابهاً لما قامت به رئيسة الوزراء النيوزلندية جاسيندا آردرن فهذه الطفلة تفكر فيما يعرف باستراتيجية "القضاء على الفيروس": كنت سأفرض أسبوعين من الاغلاق التام على الجميع وعدم الخروج لأي سبب من الأسباب لوقف انتشار كورونا بشكل أسرع."

“The Prime Minister did a good job": How would these children manage the pandemic crisis if they were ministers? Source: Supplied
رسالة أطفال ملبورن لباقي الولايات الأسترالية
"لدينا كل الحق للتذمر، لأننا الآن نحن تحت حظر ثان أو ثالث وهذا كثير جدا." بهذه الكلمات وصفت هيا حنقها من القيود الصارمة التي فُرضت في ملبورن لمجابهة الموجة الثانية من وباء كوفيد-19 وذهبت أبعد من ذلك بالقول إن الأطفال في ولايات أخرى لا يرون هذا الجانب من حياتها!
هيا: نود أن نتمكن من الخروج من المنزل وعيش حياة طبيعية مثلهم زينة محمود: أشعر بأننا قليلين الحظ هنا. أننا نعيش في فكتوريا التي تمر وحدها بظروف الاغلاق.
وفي رسالة عن بعد، طمأنت آنا-ماي عبدالله رفيقاتها في هذا البودكاست من سكان ملبورن بالقول: "سينتهي كورونا قريبا. لن تعيشوا هكذا للأبد. لن تعيشوا في حظر للأبد."
نأمل ذلك يا آنا-ماي! العالم كله بصدق يأمل ذلك!
استمعوا إلى بودكاست: الأطفال وكورونا في الملف الصوتي أعلاه.