في قلب أستراليا، بعيدًا عن سهول الأناضول وميادين المعارك التاريخية، يبرز شاب لبناني-أسترالي يُدعى يوسف ديب، اختار أن يسلك طريقًا غير مألوف، يجمع بين مهارات جسدية صارمة، وشغف عميق بالتراث الإسلامي والتاريخ العثماني.
بدأت رحلة يوسف منذ طفولته، حيث تعلّم السباحة، وركوب الخيل، ورياضات أخرى. لم تكن هذه المهارات في البداية أكثر من هوايات، لكنها مع الوقت تحوّلت إلى نمط حياة، ثم إلى مهنة ينقل من خلالها خبراته إلى الشباب، ساعيًا إلى إحياء قيم الانضباط والرجولة والصفاء النفسي.
الرماية مش بس مهارة، هي حالة صفاء داخلي. ما حدا بيصيب الهدف إذا ما كان مركز ومرتاح من جواته
ورغم أنه لم يخُض تجربة التمثيل، إلا أن يوسف شارك في أعمال درامية تركية تاريخية كمُدرّب وخبير في المهارات القتالية التقليدية. دعته إحدى الممثلات التركيات للمشاركة في تدريب فريق عمل أحد البرامج المصورة بالقرب من بحيرة إسطنبول، ليُعلّم الممثلين أصول الرماية كما كانت تُمارَس قديمًا. حينها، ظنّه كثيرون تركيًا، خاصةً عندما كان يظهر مرتديًا الزي العثماني الذي أحبه وتقمّص من خلاله شخصيات مثل عثمان وأرطغرل.
يقول يوسف:
أغلب الناس اعتقدوا أنني تركي، رغم أنني لا أتقن اللغة التركية. لكن الروح والقيم التي أحملها قريبة جدًا من تلك الثقافة
لم يكتفِ يوسف بتعليم أبنائه وأصدقائه، بل علّم زوجته أيضًا أصول الرماية، فأصبحت بطلة أستراليا في الرماية، بينما يسير أبناؤه بكر وعمر على خطاه، وقد حققوا إنجازات بارزة في السباحة وركوب الخيل والرماية.
وتجاوز نشاطه حدود أستراليا ليصل إلى جزيرة لومبوك في إندونيسيا، حيث يُدرّب الشباب على نفس المهارات، ناشرًا رسالة الانضباط والتركيز والصفاء الداخلي.
بالنسبة ليوسف، هذه الرياضات ليست مجرد مهارات جسدية. فالرماية – كما يقول – تعلّم الإنسان صفاء النفس والتركيز، "فلا يُصيب أحدهم الهدف إلا إذا كان حاضر الذهن وصافي القلب". أما السباحة، فهي درس في الصبر والمثابرة، وركوب الخيل يتطلب الانسجام والتفاهم مع الكائن الآخر.
فمن لا يراقب سلوك الخيل قبل أن يمتطيه، لن يستطيع السيطرة عليه.
هكذا، يمضي يوسف ديب في مسيرته، ناشرًا ثقافة ترتكز على القوة بضوابط، والانضباط بروح التراث، ليكون بالفعل "أرطغرل أستراليا" الذي لا يحمل سيفًا، بل يحمل إرثًا من القيم والمهارات... ويورّثه للجيل القادم.










