التحرش الجنسي، جريمة نكراء ترفضها كل المجتمعات قلباً وقالباً، أو هكذا تبدو الصورة من على السطح. ولكن الواقع المرير الذي تعيشه النساء في كل أنحاء العالم يحيك واقعاً معاكساً تماماً.
تفجرت قضية التحرش الجنسي في مصر والعالم العربي من جديد في الثاني من تموز\يوليو الجاري، بعد أن تداولت عددٌ من الفتيات على صفحة انستغرام تسمى Assault Police، مزاعم بوقوعهن ضحية اغتصاب وتحرش على يد شاب مصري يدعى أحمد بسام زكي. تفاعل العديد من مرتادي الموقع مع الفتيات مما شجع أخريات بمشاركة قصصهم المريبة معه.
خلال ساعات تعدى عدد الفتيات المُتَهٍمات له من مصر وخارجها الخمسين، إلا أن اثنتان منهن فقط تقدمتا ببلاغات رسمية مع النيابة العامة. تم القبض على أحمد في السادس من تموز\يوليو ومالزال في الحبس على ذمة التحقيق حتى اليوم.
ولكن تلك القصة لم تكن إلا شرارة أشعلت فتيل ملف التحرش وردة فعل المجتمع له والتي غالباً ما تتمثل في صمت عام وبرود أمام قضية متفشية حتى النخاع وتتعرضن لها النساء بشكل روتيني ويومي. وذلك في أفضل الأحوال. أما في أسوأها، يقوم المجتمع بلوم الضحية من خلال وضع مسؤولية التحرش على عاتق المرأة. وذلك من خلال طرح القضية في إطار، هل"زي المرأة" أحد أسباب التحرش؟ مما يبعد النقاش عن الأسئلة يراها البعض أكثر أهمية وإلحاحاً، ومن ضمنها كيف نعالج ظاهرة التحرش؟ ما هي أفضل وسيلة لردع المتحرشين؟ ما الذي يدفع بالشباب للتحرش بالمقام الأول؟
ولكن لم يكن هذا تركيز الداعية الاسلامي الشيخ عبد الله رشدي، حيث وجد الانفلونسر الشاب نفسه في مرمى النيران بعد أن نشر على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، نظريته التي استنتجت أن زي المرأة سبب من أسباب التحرش بالمرأة وأنها جزء من المشكلة.
انقسمت الآراء حول ما قاله رشدي بين مؤيد ومعارض لآراءه؟ فمعجبيه يدافعون عنه ويقولون أنه لم يخطئ القول. وأن زي المرأة عامل رئيسي يدفع للتحرش. والمعسكر الآخر يقول أن من حق المرأة ارتداء ما تشاء بدون القلق من خطر التحرش أو انتهاك جسدها ومساحتها الشخصية.
من جانبها تقول الكاتبة السودانية والناشطة الاجتماعية سعاد رزق إن التحرش موضوع مسكوت عنه في العالم عربي ودائماًما تصاحب النقاشات النادرة حولهبكلمات مثل "العيب" و"العار". وقالت إن أحد أسباب المشكلة هو جهل الشباب بآداب العلاقات، لأنها تندرج تحت بند مواضيع لا يمكن الحديث عنها بأسلوب نقاش صريخ ومفتوح.
صعب في نطاق الأسرة الحديث صراحةً في تلك الأمور، فيضطر الشباب للبحث عن معلومات في مواقع التواصل الاجتماعي ومن أصدقائهم من نفس مرحلتهم العمرية.
كما وصفت إلقاء اللوم على المرأة وهي الضحية في معظم الحالات، بـ"العادة القديمة". وأوضحت أن الشخص لا يستطيع أن يتحكم أو يسيطر على المجتمع بأكمله، فقط على نفسه. ولذلك لا يمكن وضع مسؤولية التحرش على الضحية.
أما بالنسبة لتشبيه عبد الله رشدي للنساء بالسيارات التي لا يجب تركها مفتوحة، ردت سعاد على هذا التعليق:
للأسف الشديد هذه نظرة بعض رجال الدين يأخذوا من الدين ما يحلوا لهم ويسوقوا معهم نسبة كبيرة من التابعين ويعطي فرصة أكبر لغير هذا الانسان بالتحرش ويلقي اللوم على المرأة.
وفي شريط فيديو نشره الشيخ رشدي على صفحته على فيسبوك بتاريخ 5 يوليو الجاري تعليقا على الجدل الدائر، أوضح موقفه بالقول "لا يوجد شيء يبرر التحرش بأي امرأة بغض النظر عما تلبسه، كل أي فعل تحرش بواحدة حرام. بل مجرد النظرة إليها حرام. سواء محجبة أو غير محجبة".
لكنه قال إن هناك ما يسمى "مبررات" وهناك ما يسمي "أسباب". وأورد مثالا على ذلك قائلا إنه لو ترك سيارته مفتوحة في منطقة فقيرة، وفي داخلها مليون دولار، وتركها ومشى، ثم جاءت مجموعة من الحرامية وأخذت المال، فهذا يعتبر سرقة، وسرقة المال حرام، وهذا فعل ليس مبررا.
واستخلص الشيخ رشدي بأن الأمر نفسه ينطبق على التحرش وأضاف "المرأة مقصرة، وغلطانة، وأن لبسها كان السبب في إثارة غريزة هذا الإنسان لكن هذا السبب وهذا اللبس ليس مبرِّرا وليس عذرا، ولا يعطي العذر ولا يرفع المؤاخذة عن "الأخ المتحرش" في فعله".