في أروقة استوديوهات أس بي أس عربي بمدينة ملبورن، كان للمشهد رهبة الذاكرة بالنسبة للمخرج أسد فولادكار، حيث كان الصوت يتهيّأ أمام الميكروفون، قبل أن يدخل بابتسامته الهادئة؛ كأنه يعود إلى بيتٍ تركه بالأمس، بينما في الحقيقة مضت ثلاثة عقود منذ آخر عودة.
عاد فولادكار إلى أستراليا بعد سنواتٍ انشغلت فيها حقائب سفره بين جامعات لبنان، واستوديوهات القاهرة، والخليج، متنقلاً بين السينما والتلفزيون، وباحثاً عن توازنٍ بين الدراما العميقة والكوميديا التي رسّخته أحد أبرز صُنّاع "السيتكوم" في العالم العربي بعدما أبدع المسلسل الكوميدي المصري "راجل وست ستات".
المخرج أسد فولادكار في استوديوهات أس بي أس عربي
"لمّا حكيت مريم" فيلم صغير هزّ المهرجانات العالمية
بعد أن درس المسرح في لبنان، والإخراج في مدينة بوسطن الأمريكية، توجه أسد فولادكار إلى أستراليا مهاجرًا ليغادرها لاحقًا شاباً نحو لبنان دون أن يتخيل أن فيلمه اللبناني بإنتاجه المتواضع "لما حكيت مريم" سيصبح محطة حاسمة في مسيرته. حيث كَتب العمل عن واقعة حقيقية وصوّره بإمكانات محدودة، لكنه حمل صدقاً جعل النقاد يلتفتون إليه منذ عرضه الأول، ليتحوّل إلى كرة ثلج سينمائية جابت عشرات المهرجانات وحصدت الجوائز وشاركت لبنان في الأوسكار عن فئة الفيلم الأجنبي.عام 2002. ويقول:
كنت أبحث عن فيلم يُصنع بحبّ بلا تعقيد إنتاجي. وعندما عُرض، بدأ يكبر وحده.
المخرج أسد فولاد كار أثناء تصوير فيلم " لما حكت مريم" الذي حاز على جوائز عالمية
مع انتقاله إلى مصر، انفتحت أمامه بوابة غير متوقعة: "السيتكوم". في نقاش مع المنتج صادق الصبّاح، اقترح فولادكار عملاً كوميدياً سريع الإيقاع ؛ اقتراح بدا مغامرة في صناعة اعتادت الإيقاع البطيء والمشاهد الطويلة. واجه فولادكار مقاومة من الممثلين وفريق العمل، حتى اضطر إلى مونتاج حلقتين كاملتين ليشرح رؤيته. وما إن شاهدوا النتيجة حتى انقلبت المعادلة: تحوّل العمل إلى واحدة من أكبر الظواهر الكوميدية في المنطقة، وحقق جماهيرية.
يقول مبتسماً:
مسلسل راجل وست ستات لم يتقبله الممثلون في البداية واضطررت لمونتاج حلقتين ليشاهدوها وبعدها انصهرنا في حالة كوميدية نادرة
بين الدراما الاجتماعية، والكوميديا الخفيفة، والتشويق البوليسي، مشى فولادكار بخطوات متحررة من التصنيف. يشرح فلسفته الفنية:
«التخصص مهم، لكنه سجن. أحتاج أن أتنفس في كل نوع؛ الكوميديا تمنحني متعة، والدراما تمنحني العمق، والتشويق يمنحني نبضاً آخر».
أسد فولاد كار أثناء زيارة الفنان عادل إمام لفريق عمل راجل وست ستات
على الرغم من تفاؤله بالمواهب والإنتاج السينمائي العربي، يرى أن الصناعة ما زالت مقيدة بالخوف التجاري والرقابة. يقول بصراحة: «لا نستطيع الوصول للعالمية بينما نصنع أفلاماً هدفها ألّا تُغضب أحداً. الصناعة تحتاج شجاعة، لا خضوعاً». ويرى أن موجة الأفلام المعنية بفلسطين قد تشكّل بوابة مهمة للسينما العربية نحو الخارطة العالمية.
لبنان بلد صغير يحلم بشاشة أكبر
يرى فولادكار اللبناني الأسترالي، أن مشكلة لبنان ليست في الفنان ولا في المواهب المتدفقة، بل في غياب البنية الإنتاجية.
ورغم ذلك، أفرزت البلاد أسماء عالمية مثل نادين لبكي وزياد دويري. ويقول: "النظام الإنتاجي الغائب… هو ما يحبس الآفاق"،
السعودية نهضة تتشكل أمام الكاميرا
تجربته الأخيرة مع الفنان عبدالله السدحان جعلته يشاهد التحوّل من الداخل: "السعودية في نهضة حقيقية… الإمكانات موجودة والرغبة موجودة، والنتائج أسرع مما نتوقع. الطريق طويل… لكنه واضح».
المخرج أسد فولادكار مع الفنان الكوميدي سمير غانم
وحين استفسرنا منه إلى أين سيأخذنا فولادكار في مسيرته الفنية؟ يضحك قائلاً: «ما زلت في بداية الطريق». إذ يعمل على مشاريع جديدة في أستراليا، وأخرى في العالم العربي، إضافة إلى مسرحية كان من المفترض إطلاقها في لبنان قبل أن توقفها الظروف والحرب. كما يعمل حالياً على فيلم وثائقي بعنوان «في سعادة دائمة» عن الحياة الآخرة.
مسلسل تشويقي أبدعه المخرد أسد فولاد كار
بين بوسطن وملبورن وبيروت والقاهرة والرياض، يمشي المخرج أسد فولادكار بخطى هادئة لا تحمل صخب النجومية بقدر ما تحمل السؤال:
كيف نصنع فناً حقيقياً يعيش… ويُضحك… ويكسر الحدود؟
استمعوا لتفاصيل عن كواليس أفلامه ومسلسلات المخرج أسد فولادكار بالضغط على الدوين الصوتي في الأعلى.



