شهدت بدايات عام 2011 ثورات وتنحي رؤساء وانهيار أنظمة. تسعة أعوام شهدت فيها دول عربية تغييرات ومخاضات وولادات عسيرة من تونس إلى مصر وسوريا فليبيا واليمن والسودان، لتلحق بها دول أخرى كالعراق ولبنان الآن. فماذا تغير بالفعل؟
في تونس أجبر الرئيس زين العابدين بن علي -الذي كان يحكم البلاد بقبضةٍ حديدية طيلة 23 سنة- على التنحي عن السلطة والخروج من البلاد خلسةً ولجأ إلى السعودية وذلك يوم الجمعة الموافق للـ 14 من كانون الثاني/يناير 2011.
أما في مصر فنجحت ثورة 25 يناير المصرية بإسقاط الرئيس السابق محمد حسني مبارك الذي تنحى عن السلطة في في يوم 11 فبراير 2011.

(The New York Times) Source: The New York Times
وفي سوريا بدأت الحركة الاحتجاجية مطالبة بتغيير النظام، لكن الأمور والأحداث تداخلت، كما تداخلت فيها القوى العظمى، وما زال الصراع فيها، وعليها مستمرا.
ثم جاءت ثورة 17 فبراير الليبية والتي انتهت بقتل الرئيس الليبي معمر القذافي وإسقاط نظامه لتشهد ليبيا بعد ذلك ارهاصات ومخاضات كان آخرها المؤتمر الذي عقد يوم الأحد الماضي في برلين لمحاولة التوصل إلى حل للأزمة الليبية التي تشهد صراعا بين الزعيم العسكري خليفة حفتر، المتمركز شرقي ليبيا وحكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس، برئاسة فايز السراج، والتي تدعمها الأمم المتحدة.
أما الثورة اليمنية فأجبرت الرئيس علي عبد الله صالح على التنحي ليغرق اليمن بعدها في حرب أهلية أزهقت آلاف الأرواح وأفقرت وجوعت الملايين.
وفي السودان، استطاعت الثورة السودانية عام 2019 إسقاط الرئيس السابق عمر البشير لتعلق الآمال على حكومة انتقالية تنقل البلاد إلى مستقبل جديد من الاستقرار.
وفي سوريا لا يزال الصراع مستمرا، أما في العراق ولبنان فالحراكات الشعبية أدت إلى إسقاط حكومات لكنها لم تنجح بعد في تحقيق الشعارات التي رفعتها وطالبت فيها بتغيير كل المنظومة السياسية الحاكمة.

Sudanese people celebrate after the signing of an agreement to dissolve the former ruling National Congress Party (NCP) EPA/MARWAN ALI Source: EPA
ويوم الأحد الماضي عقد في برلين مؤتمر دولي لمناقشة الأوضاع في ليبيا حيث تعهد قادة الدول المشاركة في المؤتمر بعدم التدخل في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا، وكذلك دعم حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على البلد.
غير أن رئيس تحرير موقع عدوليس الالكتروني الصحافي جمال همّد، استبعد استقرار الأوضاع في ليبيا وخاصة عدم تدخل الدول الأجنبية في الصراع الدائر فيها "لأن هذه القوى لم تستطع تحقيق ما تريده على الأرض حتى الآن ولم تحرز قوات حفتر أي تقدم، كما ولم تستطع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا دحر حفتر، وبالتالي سيبقى الوضع كما هو عليه، وستبقى المعركة دائرة"، كما قال في حديث مع SBS Arabic24.
وعبر الأستاذ همّد عن اعتقاده بأن المواطن العربي ما زال تواقا لتحقيق ما يطالب به من تغييرات اجتماعية وسياسية وقادرا على تحقيقها رغم ما يقال عن اصطدام الآمال بصخرة الواقع.
يقول الصحافي جمال همّد "أنا أعتقد أن ما يظهر الآن على السطح من جديد في العراق ولبنان وما أحرزته الثورة الشعبية في السودان، أعتقد أنه ما زال المواطن العربي تواق للانفلات من الطبقة الحاكمة التي حكمت خلال الستين أو السبعين سنة الماضية، وبالتالي كل الذين تحدثوا عن فشل الربيع العربي، عليهم أن يراجعوا نظرياتهم لأن الشعارات التي رفعت الآن أو تطورت إلى أشكال جديدة، خاصة الشعار الذي رفع في لبنان والعراق، وبالتالي لا زال لدى المواطن العربي القدرة على الحراك والتحرك من أجل إسقاط كل القوى التي حكمته أو الطبقة الحاكمة التي تعاقبت على حكمه طوال فترة السبعين سنة الماضية".
وليس خفيا على أحد تدخل القوى الإقليمية والدول الكبرى في الصراعات التي تجري في البلدان العربية، ويعترف الأستاذ همّد بأن هذا يفرض تحديات كبيرة وقال إن "المواطن العربي، أو أي مواطن في العالم لا يستطيع أن يقف في وجه القوى العسكرية ويهزمها ولكن على الأقل يمنع مشاريع التقسيم، وتمرير اجندتها واستغلال ثرواته".

Participants of the International conference on Libya pose for a group photo. Source: AAP
وأضاف "الدول التي اتفقت في برلين حول ليبيا، اتفقت على مضض ولكن لا زال التدخل التركي والمصري والإماراتي موجودا في ليبيا، أيضا التدخل الإيراني ومحاولة صياغة الوضع في العراق موجود، وأيضا القوى المناوئة لإيران من المنطقة العربية كالسعودية أو غيرها موجودة، ولكن لا يملك المواطن الأعزل سوى أن يقف في الشوارع مشرع الصدر ويرفض هذه المشاريع، ويرفض الذين ينفذون هذه الأجندة، وبالتالي ستكون المعركة سجالا، ليس من السهل كما كان تمرير أجندة خارجية".
واعتبر الأستاذ جمال همّد أن الحراك الشعبي أصبح يطور أدواته بحيث تتناسب مع وضعه الداخلي ويستفيد من ما حدث في بلدان أخرى "ما حدث في الخرطوم رغم دمويته إلا أنه أسقط النظام، لأن النظام استخدم القوة الباطشة، واعتقد أن الأنظمة الحاكمة بدأت تفكر مرتين في استخدام القوة وفي قطع الانترنيت وفي محاولات تقطيع أوصال الحراك الشعبي، وهذا ما نشاهده، رغم اختلاف الوضع، في بغداد باستخدام العنف بأشكال مختلفة من ما يسمونهم بالمندسين والملثمين، وكذلك محاولات بعض القوى في لبنان في إحداث شرخ داخل الحراك الشعبي من خلال بعض الاتجاهات الطائفية والسياسية".

Anti-government protesters gather while security forces close Rasheed Street, in Baghdad, Iraq, Sunday, Dec. 1, 2019. Source: AAP
استمعوا إلى اللقاء الكامل تحت الشريط الصوتي