"شو جابني على هالبلد. حسيتها صحرا" بهذه الكلمات وبلهجة فلسطينية، تحدثنا الرمحي على انطباعها الأول عن المدينة التي ستحتضن فصول حياتها القادمة. هنا أسّست عائلتها وأرست قواعد استقرارها وهي اليوم جدة لاثني عشر حفيداً، وعاطفتها الجياشة لوطنها دفعتها لتمنح أطفال العائلات الغزية الواصلة حديثاً حيزاً من قلبها.
تقول الرمحي إن البداية لم تكن سهلة ولم يكن الطريق مفروشاً بالورود، فبعد أن تعرفت على زوجها أثناء زيارته لأهله في رام الله، وعقد قراتهما، سافرت ابنة الثمانية عشر عاماً وقتئذ بمفردها لتنطلق في رحلة ستطبع حياتها وتحفر في وجدانها مكاناً لوطن ثان منحها
وصلت إلى ملبورن وعمري لا يتجاوز الـ 18 عاماً. احتفلنا بزفافنا بمفردنا. أنا وزوجي فقطالمهاجرة الفلسطينية ميسون الرمحي
اليوم وفي زمن وسائل التواصل الاجتماعي وثورة الاتصالات، بإمكانك أن تشعر وكأنك لم تغادر قط، تشارك عبر شاشات الهاتف واللوحات الذكية في أدق تفاصيل من تركناهم في وطننا الأم.
ولكن قبل 45 عاماً لم يكن الوضع كذلك: "التواصل مع الأهل بالرسائل والرسالة تستغرق 3 اشهر حتى اصل. كنا نسجل صوتنا على كاسيت ونرسله بالبريد لعائلاتنا وأحبائنا."
التواصل كان باللغة الإنجليزية فقط مع الجيران والمتجر والطبيب. لم أجد شخص عربي واحد ولم يكن الأمر بالسهل
من يدخل بيتاً فلسطينياً سواء أكان هنا في أستراليا أم الولايات المتحدة أم أوروبا، يستشعر بعناصر حاضرة دوماً باختلاف المكان، فلمفتاح العودة مكان، وللزعتر والزيت مكان ولعبق الهوية الفلسطينية صدى تشتمه وتسمعه وتراه بعينك وقلبك.
تقول ميسون عن الحفاظ على الهوية الفلسطينية رغم البعد عن الوطن: "الأكل الفلسطيني موجود كل يوم والزيت والزعتر وأعمل جبنة نابلسية بالبيت. بالنسبة للغة العربية لم أنجح كثيراً في تعليمها للأولاد، كنت أحدثهم بالعربية ويردون بالإنجليزية ولكن الآن وبعد أن كبروا عادوا لتعلم اللغة."
وبعد أن رُزقت ميسون وزوجها أبو مكسيم كما كان يُعرف بالجالية، بدأت الدائرة الاجتماعية للعائلة الصغيرة تتسع شيئاً فشيئأ: "تعرفنا على عائلات عربية وبتنا نخرج للحدائق للشواء. وفي التسعينيات من القرن الماضي، أسس زوجي ومجموعة من الناشطين الجمعية الخيرية الفلسطينية. كان العلم الفلسطيني حاضراً دائماً في تجمعاتنا."
كنا نحوش قد ما نقدر ونسافر على فلسطين كل بضع سنوات. كانت التذكرة وقتها بأربعة آلاف دولار ولكن كنا حريصين على إبقاء الرابط حياً بين الأولاد والوطن والعائلة
وبعد 9 أشهر على بداية الحرب في غزة، تشعر ميسون بأنها تستيقظ على كابوس كل يوم: "لم نعد نحتفل بالأعياد. أحياناً أخرج لشرب القهوة مع صديقتي وأشعر بالذنب."
تقدم ميسون برفقة مجموعة من النشطاء الدعم للعائلات الواصلة حديثاً من غزة وللأطفال حيز خاص في قلبها: "الأطفال حبايب قلبي. غالبية العائلات لديهم أطفال ولكن الأب ليس هنا. تشعر وكأن الأطفال باتوا رجالاً وناضجين عقلياً ولكن الابتسامة غائبة عنهم تماماً.
تبتهج ميسون عندما يقبل عليها أطفال هذه العائلات: "شعور جميل لما يركضوا علينا ويحكوا تيتا إجت. شعور جميل الحمدلله. أطفال بحبوا الحياة ومن حقهم يعيشوا بأمان كأطفال العالم."
استمعوا إلى قصة المهاجرة الفلسطينية في ملبورن، ميسون الرمحي، في الملف الصوتي أعلى الصفحة.