في كل حكاية جنود مجهولون يخطُّون أصعب فصولها. خطيئتهم أنهم أتوا من انتماءات أخرى حملوها معهم من أوطان بعيدة. فضيلتهم أنهم قرروا تجيير كل ما لديهم من مواهب ومهارات وطاقات وحكمة لوطنهم الجديد. أمّا المشكلة فإن المجتمع لا يسمع بهم إلا إذا تحدثت عنهم وسائل الإعلام بلغةٍ سلبية.
المهاجرون بُناة أستراليا ومحرِّكُ نموّها، يأتون إلى هذه الديار ليساهموا في ازدهارها ويبنوا مستقبلاً لهم، فينخرطوا في كل قطاعات الأعمال ويتفاعلوا مع المجتمع. هذا ليس سراً، بالطبع، لكنّ معرض هذا الكلام يتزامن مع نشر دراسة لافتة وضعتها دائرتان فدراليتان، يشغل إحداهما وزير معروف بمواقفه القاسية إزاء فئات معيّنة من المهاجرين واللاجئين، بيتر داتن، فيما يشغل الدائرة الثانية وزيرٌ سبق أن شغل حقيبة الهجرة وتصدى لقوارب طالبي اللجوء، سكوت موريسن.
الدراسة التي وضعتها دائرتا الخزانة والشؤون الداخلية أكدت أن المهاجرين المهرة يزيدون من ثروة أستراليا، لا يعتاشون من السنترلنك، ولا يأخذون وظائف العمال المحليين، كما يُتهمون أحياناً.
وبلغة الأرقام، أظهرت الدراسة التي استغرق وضعها سنة كاملة، أن البرنامج الحالي للهجرة سيؤدي إلى زيادة الناتج القومي العام في أستراليا بين العامين 2020 و 2025، بما بين 0.5% و1%. كذلك، بيّنت الدراسة أن المهاجرين المهرة الذين حصلوا على الإقامة الدائمة في أستراليا في العام المالي 2014 و 2015 ستناهز مساهماتهم في الاقتصاد الوطني 7 مليارات دولار فيما ستبلغ مساهمات المهاجرين من فئات أخرى حوالى 1.6 مليار دولار.
وغداة الإعلان عن هذه الدراسة، نشرت صحيفة سدني مورننغ هيرالد تحقيقاً كشفت فيه أن ضواحٍ بكاملها في سدني بناها المهاجرون، بحيث بلغت نسبة مساهماتهم في ازدهارها حوالى 70%. من هذه الضواحي، باراماتا، رايد، بانكستاون، ليفربول وبلاكتاون وسواها.
وفي قصة الهجرة التي أضاءت عليها الدراسة فصولٌ منسية كتبها آلاف اللاجئين الذي يقدّمون بدورهم مساهمات وخدمات جمّة لهذا الوطن. لطالما سلطنا الضوء على قصصهم الملهمة. في مراحل كثيرة من تاريخ أستراليا الحديث، على سبيل المثال، كان جميع الأطباء المقيمين في بعض مستشفيات الأرياف من لاجئي القوارب العراقيين، وقد أضأنا على قصصهم في حينه. بين القصص الملهمة أيضاً قصة الشاب نيراري داتشو الذي قدم أستراليا لاجئاً من سوريا قبل أقل من ثلاث سنوات فقط، في العام 2015، وها هو اليوم صاحب موقع إلكتروني مهمته مساعدة اللاجئين والمهاجرين على إيجاد عمل.
برنامج استراليا اليوم التقى السيد نيراري داتشو ليتحدث عن رحلة نجاحه في استراليا في الرابط الصوتي أعلاه.