في مهرجان سيدني للأفلام لهذا العام، تبرز مشاركة مميزة لفيلم يحمل بعدًا إنسانيًا وسياسيًا عميقًا، بعنوان "All That’s Left of You"، من توقيع المخرجة الفلسطينية الأمريكية شرين دعيبس.
رغم أنها لم تعش في فلسطين، فإن شرين ظلت طوال مسيرتها الفنية مشدودة إلى هذا المكان الذي يسكنها أكثر مما تسكنه. وفي هذا الفيلم تحديدًا، تنسج بخيوط الذاكرة والانتماء سردًا حميميًا، يتنقل عبر ثلاثة أجيال من عائلة فلسطينية، تتقاطع حكايتهم مع لحظات حاسمة من تاريخ القضية الفلسطينية.
ماذا يبقى من الإنسان بعد كل ما يفقده؟"
بهذا السؤال، تنطلق دعيبس في رحلتها السينمائية الجديدة، ممزوجةً بين تجارب ذاتية وأخرى جماعية، مستعيدةً من خلالها لحظات شخصية مؤثرة، كاغتيال أحد أقرباء والدها الذي كان ناشطًا في منظمة التحرير الفلسطينية في أوروبا، وعودة والدها إلى وطنه، وهي اللحظة التي حفرت في ذاكرتها كطفلة لم تتجاوز الثامنة من العمر.
في حديثها أس بي أس عربي، أشارت شرين إلى أن فكرة الفيلم ليست وليدة لحظة عابرة، بل نتيجة تراكم طويل من التأمل في فقدٍ عاشه شعب بأكمله، وحنين يتجدد مع كل جيل.
"All That’s Left of You" ليس فقط فيلمًا عن الذاكرة، بل عن محاولة الإمساك بما تبقى منها، في عالم يُعيد تشكيل الماضي كما يشاء.
العرض الأول للفيلم في مهرجان "صندانس" كان لحظةً فارقة. حيث امتزجت الآراء المختلفة في قاعة واحدة، وجمع الفيلم بين من هم على طرفي المشهد السياسي، في لحظة نادرة من التلاقي الإنساني أمام قوة الصورة.
لكن مسيرة الفيلم لم تكن خالية من التحديات. فقد كان من المقرر تصويره في مدن فلسطينية مثل يافا ونابلس وأريحا، إلا أن اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، قبل أسبوعين فقط من موعد التصوير، أجبر الفريق على إعادة النظر في كل شيء. وبرغم الظروف، أصرّت دعيبس على إنجاز العمل، مؤكدة أن صوت القصة أقوى من كل العوائق.
عن اختيارها لعنوان الفيلم، تقول شرين إن "ما تبقّى منك" لا يشير فقط إلى الأفراد، بل إلى الشعوب، إلى القضايا، إلى الذكريات التي نحاول حمايتها من الزوال.
ومن المقرر أن يُعرض الفيلم في عدد من المهرجانات الدولية والعربية، ومن بينها مهرجان سيدني، حيث كانت شرين تتمنى الحضور ولقاء الجمهور العربي، لكن أسبابًا صحية حالت دون ذلك. ومع ذلك، وجهت عبر لقائنا هذا تحية حارة للجالية العربية في أستراليا، ورسالة أمل ومقاومة، بالصوت والصورة.
"All That’s Left of You" فيلمٌ يؤكد مرة أخرى أن السينما ليست فقط فنًا لرواية الحكاية، بل وسيلة لفهم الذات، ولمقاومة النسيان.









