أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلًا واسعًا بعدما صرّح بأن أستراليا "تغرق" في طلبات اللجوء من مزارعين بيض فارّين من الاضطهاد والعنف في جنوب أفريقيا، في إشارة إلى ما وصفه بـ"إبادة جماعية" ضدهم. فهل تعكس هذه التصريحات واقعًا فعليًا، أم أنها جزء من رواية مضللة تتداولها بعض الجهات؟
خلفية التصريحات
خلال اجتماع جمعه بالرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، استعرض ترامب مقاطع فيديو وصورًا لصُلبان بيضاء زعم أنها تمثل قبورًا لضحايا من المزارعين البيض، وأكد أن "عددًا كبيرًا من هؤلاء يفرّون إلى الولايات المتحدة وأستراليا". كما أشار إلى "أدلة" صحفية قال إنها توثق مقتل هؤلاء "بسبب هويتهم العرقية".
وفي السياق ذاته، أعاد ترامب إحياء مزاعم قديمة حول مصادرة الأراضي من المزارعين البيض في جنوب أفريقيا، وربطها بأعمال عنف ممنهجة، متهمًا الحكومة بالتغاضي عن هذه الجرائم.
أستراليا لم تكن بعيدة عن هذه الرواية. ففي عام 2018، أثار وزير الشؤون الداخلية حينها، بيتر داتون، جدلًا مماثلًا عندما اقترح منح "معاملة خاصة" للمزارعين البيض من جنوب أفريقيا، بسبب ما وصفه بـ"الاضطهاد والمخاطر الأمنية".
الحكومة الجنوب أفريقية ردت بشدة، ووصفت تلك التصريحات بأنها غير دقيقة وتمثل "تدخلاً غير مبرر".
ورغم ذلك، لم يتم اعتماد سياسة رسمية بهذا الشأن، وتراجعت الحكومة الأسترالية لاحقًا عن تلك التصريحات، مؤكدَة احترامها للإجراءات القانونية والدبلوماسية.
الأرقام تتحدث
وفقًا لأحدث بيانات مكتب الإحصاءات الأسترالي لعام 2024، يبلغ عدد سكان أستراليا المولودين في جنوب أفريقيا نحو 224 ألف شخص، أي ما يمثل 0.8% من إجمالي عدد السكان.
ورغم تزايد العدد منذ عام 2014، لا تتوفر بيانات تحدد العرق أو المهنة، ما يصعّب تقدير عدد المزارعين البيض ضمن هذه الشريحة.
تواصلت SBS News مع وزارة الشؤون الداخلية الأسترالية للحصول على تعليق، ولم تتلقَ ردًا حتى لحظة النشر.
هل هناك "إبادة جماعية" فعلًا؟
تعتبر معدلات الجريمة في جنوب أفريقيا من بين الأعلى عالميًا، حيث سُجل في عام 2024 أكثر من 26 ألف جريمة قتل، بينها 44 حالة فقط مرتبطة بالمجتمعات الزراعية، وكان ثمانية من الضحايا فقط من المزارعين.
وتشير دراسات متعددة إلى أنّ ضحايا العنف في جنوب أفريقيا في الغالب من ذوي البشرة السمراء. تقول البروفيسورة كارولين هولمز من جامعة تينيسي: "الإحصاءات توضح بجلاء أن البيض، سواء في المزارع أو المدن، أقل عرضة للعنف مقارنة بغيرهم".
الادعاءات حول "إبادة جماعية بيضاء" في جنوب أفريقيا تتبناها مجموعات يمينية متطرفة ومنصات دولية، لكنها لا تحظى باعتراف داخلي واسع. حتى الشخصيات العامة مثل إيلون ماسك ساهمت في الترويج لهذه الرواية، رغم غياب الأدلة الموثوقة على وجود حملة ممنهجة تستهدف المزارعين البيض لأسباب عرقية.

Elon Musk has been a proponent of claims of white genocide in South Africa. Source: AAP / Sipa
وأضافت أن رواية "الإبادة الجماعية للبيض" لا تُؤخذ على محمل الجد داخل جنوب أفريقيا، بل تنتشر خارجيًا أو بين الجماعات شبه العسكرية.
وأشارت إلى أن إيلون ماسك، الذي ينحدر من أصول جنوب أفريقية، كان من أبرز مروّجي هذه النظرية، حتى أن هناك مزاعم بأنه تدخّل في خوارزميات الذكاء الاصطناعي للترويج لها.