الخطوة تُعدّ مناسبةً وطنية للاعتراف بمساهمات اللاجئين في بناء المجتمع الأسترالي، لكنها تثير في الوقت نفسه دعواتٍ لمراجعة النهج الذي تتبعه البلاد تجاه طالبي اللجوء.
إرث إنساني ممتدّ منذ الحرب العالمية الثانية
منذ خمسينيات القرن الماضي، لعب برنامج أستراليا الإنساني دوراً محورياً في إعادة توطين الفارين من الحروب والنزاعات. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، استقبلت البلاد أكثر من 170 ألف لاجئ أوروبي، ثم ما يزيد على مئة ألف لاجئ فيتنامي خلال عقدٍ واحد بعد حرب فيتنام.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، توسّع البرنامج ليشمل نحو 22 ألف تأشيرة سنوياً، قبل أن تُقدَّم تأشيراتٌ خاصة في تسعينيات القرن الماضي استجابةً لأزمات يوغوسلافيا وشرق تيمور ولبنان والسودان.
ومع اشتداد أزمات الشرق الأوسط خلال العقد الماضي، خصّصت الحكومة الأسترالية اثنتي عشرة ألف تأشيرة سنوياً للاجئين السوريين والعراقيين، في مؤشرٍ على استمرار التزامها الإنساني رغم الجدل السياسي الداخلي حول الهجرة.
لحظة تاريخية للتفكير والمراجعة
تقول ريبيكا إيكارت، مديرة السياسات والأبحاث في مجلس اللاجئين الأسترالي، إن بلوغ التأشيرة المليون يحمل دلالة رمزية كبيرة، فهو يذكّر بقصص مئات الآلاف من البشر الذين ساهموا في تشكيل ملامح أستراليا الحديثة.
على مدى ثمانين عامًا، قدم أشخاص من خلفياتٍ وثقافاتٍ متنوّعة، وتركوا بصمتهم في المجتمع الأسترالي. ملايين الناس اليوم مرتبطون ببرنامج اللجوء، إمّا بشكلٍ مباشر أو من خلال عائلاتهم."لكن هذه اللحظة الاحتفالية ترافقها أيضًا تساؤلاتٌ حادة حول السياسات الراهنة تجاه طالبي اللجوء، ولا سيما أولئك الذين يصلون إلى أستراليا عبر البحرريبيكا إيكارت، مديرة السياسات والأبحاث في مجلس اللاجئين الأسترالي
مفارقة إنسانية: سخاء في إعادة التوطين وتشدد في الحدود
يقول الأستاذ دانيال غزل- باش، مدير مركز كالدور للقانون الدولي للاجئين، إن أستراليا تملك أحد أكثر برامج إعادة التوطين سخاءً في العالم، لكنها في المقابل تطبّق سياساتٍ قاسية تجاه طالبي اللجوء الذين يصلون بشكل غير نظامي.
وتُظهر البيانات أنّ أكثر من 850 ألف تأشيرة دائمة منحت لأشخاص تقدّموا بطلبات لجوء من خارج أستراليا بين عامَي 1947 و2023، مقابل نحو 81 ألف تأشيرة فقط لمَن طلبوا الحماية بعد وصولهم إلى الأراضي الأسترالية.
ويشير غزل- باش إلى أنّ هذا التناقض أصبح مصدراً رئيسياً للانتقادات الدولية، خصوصاً بعد تطبيق سياسة المعالجة خارج الحدود عام 2001، وتعديل القانون في عام 2013 لمنع القادمين بحراً من الحصول على إقامة دائمة.
ويصف هذه السياسات بأنها "انتهاكٌ للقانون الدولي ومؤذيةٌ نفسياً وجسدياً لأولئك الذين تستهدفهم".
قصص نجاح تُغيّر السردية
ورغم الجدل السياسي، يظلّ إرث اللاجئين في أستراليا حاضراً في شتى المجالات.
من بين هؤلاء طاهرة نصرت، التي اضطُرت إلى مغادرة أفغانستان قبل أكثر من خمسةٍ وعشرين عاماً بعد تهديداتٍ من حركة طالبان بسبب عملها مع منظمةٍ دولية.
تعيش نصرت اليوم في سيدني، حيث تعمل محاسبةً ومستشارةً في مجال ريادة الأعمال، كما أسّست منظمةً تُعنى بتأهيل ودعم اللاجئين الأفغان.
دعوات لإصلاح السياسات والعودة إلى “الغرائز الأفضل”
يعتبر غزل- باش أنّ اللحظة الراهنة يجب أن تُستغل لإجراء مراجعةٍ عميقة لسياسات اللجوء، داعياً إلى تحقيق توازنٍ أفضل بين أمن الحدود والالتزام بالواجب الإنساني.
ويضيف:
"هذه السياسات تبعث برسالةٍ سلبية إلى العالم. كان يفترض بأستراليا أن تكون قدوةً في حماية اللاجئين، لكنها تحوّلت إلى نموذجٍ للردع."
بين الفخر والمسؤولية
بينما تستعد الحكومة للاحتفاء بإصدار التأشيرة الإنسانية المليون، يظلّ السؤال الأبرز مطروحاً:
هل ستكتفي أستراليا بتكريم تاريخها الإنساني، أم ستتجه نحو إصلاح سياسات اللجوء لتتوافق مع قيمها المعلنة؟
الإجابة، كما يرى الخبراء، ستحدّد ما إذا كانت البلاد ستواصل إرثها كملاذٍ إنساني أم ستبقى عالقةً بين الفخر بالماضي والتردد في الحاضر.
شارك


