فايق الياسري، الذي يعيش في بيرث منذ أكثر من 25 عاماً، يدرك تأثير ارتفاع تكاليف المعيشة على الأسر. يعمل الياسري بنظام السفر المتكرر إلى موقع العمل (FIFO) ويعيل أسرته المكوّنة من أربعة أطفال، تتراوح أعمارهم بين ثلاث سنوات و14 عاماً. ويقول إنه يعمل لأقصى حد ممكن طوال العام، متجنباً الإجازات المرضية لتأمين احتياجات أسرته، لكنه يواجه صعوبة متزايدة في تغطية النفقات الأساسية.
ويضيف: "كنت أستطيع شراء عربة تسوّق كاملة بخمسين دولاراً. الآن، لا تكفي حتى لحقيبة صغيرة"، مشيراً إلى ارتفاع كلفة الغذاء والملابس وغيرها من الاحتياجات الأساسية.

Faiq Alyasare could not afford the costs for his son's football team this year. Source: SBS / Christopher Tan
15% من الأطفال يعيشون في ظروف معيشية صعبة
وبحسب بيانات صادرة عن مركز بنكويست-كيرتن للاقتصاد ومبادرة تقييم الطفولة، يُتوقع أن يعيش 950 ألف طفل في أستراليا في حرمان اقتصادي خلال عام 2025 أي أكثر من 15% من إجمالي الأطفال في البلاد. ويمثّل ذلك زيادة كبيرة مقارنة بـ713 ألف طفل قبل أربع سنوات، أي ارتفاعًا بنسبة 33%.
ويُعرّف فقر الأطفال بأنه العيش في أسرة يقل دخلها المتاح عن 50% من متوسط الدخل الوطني. وبلغ متوسط الدخل الشخصي في أستراليا للعام المالي 2022-2023 نحو 58.216 دولاراً، وفق مكتب الإحصاءات الأسترالي.
ويقول الخبراء إن التقرير يوضّح أن الضغوط المالية التي تواجهها الأسر تنعكس مباشرة على الأطفال، ما يترك آثاراً قد تمتد لسنوات طويلة.
أزمة الإسكان ترفع معدلات الفقر
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة كيرتن آلان دنكان إن ارتفاع معدلات فقر الأطفال ليس ظاهرة عابرة، بل "نتيجة متوقعة لضغوط الإسكان، وعدم كفاية إعانات الدخل، وتباطؤ السياسات". وحذّر من أن البلاد قد تتجاوز عتبة المليون طفل قريباً إذا لم تُتخذ إجراءات فعّالة.
وتُعد الزيادات الكبيرة في الإيجارات من أبرز العوامل. فقد ارتفع متوسط الإيجار المُعلن للشقق بين عامي 2021 و2023 بنسبة 40% في سيدني، و34% في ملبورن، و41% في بريزبن. كما ارتفعت أسعار الإيجار في بيرث إلى متوسط 850 دولاراً أسبوعياً للمنازل و695 دولاراً للوحدات.
وقال الياسري إنه كان يدفع 500 دولار أسبوعياً قبل عامين، أما اليوم فالإيجار ارتفع إلى 800 دولار، مشيراً إلى أن انتهاء عقد إيجاره خلال الأشهر المقبلة قد يضعه في موقف صعب إذا طُلب منه دفع زيادة جديدة.
دعوات لتبني تعريف وطني للفقر
أطلقت حملة "إنهاء فقر الأطفال" دعوة لوضع تعريف "يركّز على الطفل" لقياس تحديات المعيشة
وتأثيرها على رفاه الأطفال، إضافة إلى المطالبة بزيادة المدفوعات الاجتماعية ومعالجة أسباب أزمة السكن.
وقالت منسقة الحملة سارة كوينتون إن الفقر يُشعر الأطفال بالعزلة في مرحلة يفترض فيها أن يبنوا علاقات اجتماعية مهمة. كما دعت إلى نهج موحد لقياس مستوى رفاه الأطفال على المستوى الوطني.
لاريسا موير، المديرة التنفيذية لمؤسسة "12 باكتس" في بيرث، أوضحت أن "الأطفال يتأثرون ببيئتهم، وغياب الأنشطة المدرسية أو الرياضية يقوّض شعورهم بالانتماء".
آثار طويلة الأمد
وأشار دنكان إلى أن الفقر يترك آثاراً تمتد إلى مرحلة البلوغ. وقال: "نجد أن الحرمان الاقتصادي يتغلغل في حياة الطفل، ويحمله معه لسنوات طويلة".
ويعبّر الياسري عن قلقه بشأن تأثير الأوضاع المعيشية على مستقبل أطفاله. ويقول إنه لم يتمكن من تسجيل ابنه في فريق كرة القدم هذا العام لارتفاع تكلفة الأنشطة. كما لا يستطيع تحمّل تكاليف الدروس الإضافية، رغم قناعته بأن ذلك قد يساعد أطفاله على تطوير مهاراتهم.
ويضيف: "ربما لديهم موهبة أو ذكاء، لكنهم بحاجة إلى دعم. وإذا لم يحصلوا على هذا الدعم الآن، سيؤثر ذلك على مستقبلهم وعلى المجتمع ككل".
موقف الحكومة
وقالت متحدثة باسم وزارة الخدمات الاجتماعية إن "جميع الأطفال في أستراليا يستحقون أفضل بداية في الحياة"، مؤكدة أن الحكومة تعمل على "كسر دائرة الحرمان، ودعم الأسر المحتاجة، وتعزيز رفاه الأسر والأطفال". وأشارت إلى أن الحكومة خصصت أكثر من 11 مليار دولار لدعم شبكة الأمان الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة.
شارك

