كم تبلغ فعلاً تكلفة تربية طفل في أستراليا؟ إليك الأرقام

يقول الخبراء إن حساب تكلفة تربية الأطفال في أستراليا مهمة معقدة تتداخل فيها عوامل اقتصادية واجتماعية متعددة.

Young active family of hikers walking in the autumn forest with the toddler baby

تنفق الأسر ذات الدخل المنخفض حصة أكبر من دخلها على الأطفال Source: Getty / Yana Iskayeva

للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي

في وقت يسجّل فيه الأستراليون أدنى معدل خصوبة في تاريخ البلاد، إذ يبلغ 1.5 طفل لكل امرأة، يعزو كثيرون هذا الانخفاض إلى ارتفاع تكلفة الإنجاب والتربية. لكن هذا الطرح يثير أسئلة حول العدالة بين الأجيال والتخطيط المستقبلي للحكومات:

ماذا يمكن أن نفعل تجاه الشباب الذين يقررون عدم الإنجاب لأن الأمر ببساطة مكلف للغاية؟

ورغم أن هذا الافتراض يبدو صحيحا للوهلة الأولى، فإن الصورة أكثر تعقيدا والامر ليس بهذه البساطة، فالإحساس بأن تربية الأطفال أصبحت أغلى ثمناً مع مرور العقود ليس دقيقاً دائماً.

وهنا يبرز السؤال: ما الذي يُنفقه الآباء فعلياً لتربية أطفالهم؟ وكيف تُقاس هذه الكلفة؟ وهل أصبح الأطفال فعلا أكثر كلفة مما كانوا عليه في الماضي؟

تحليل الأرقام

يؤكد الباحثون أن حساب تكلفة تربية الأطفال عملية معقدة تطرح أسئلة كثيرة أمام الأكاديميين.
هل الطفل الثاني أقل كلفة من الأول؟ وهل الأطفال الأكبر سناً أكثر كلفة من الصغار؟ وهل تنفق الأسر ذات الدخل المرتفع أكثر من الأسر محدودة الدخل؟ وما النسبة بين الإنفاق الضروري والاختياري؟
ويشير الخبراء إلى أن هذه الأسئلة لا تملك إجابات حاسمة رغم الكثير من الأبحاث.
كما يختلف الباحثون ايضا حول ما إذا كان ينبغي الحديث فقط عن الكلفة المباشرة أم أيضاً عن الكلفة غير المباشرة مثل تأثير الإنجاب على عدد ساعات العمل المدفوعة الأجر أو فقدان أوقات الفراغ والراحة للآباء الذين سيصبحون مشغولين.
ويركز الباحثون هنا ، وفي تقريرهم المقدم للجنة الاستشارية للإدماج الاقتصادي على الكلفة المباشرة فقط.
A line chart showing the fall of Australian birth rates over time after a peak in the 60s.
Australia's fertility rates have been on a downward trajectory over time. Source: SBS

منهجان مختلفان لقياس الكلفة

يقول الباحثون إن أحد أكثر الأساليب وضوحاً هو ما يُعرف بـ "معيار الموازنة"، أي تقدير تكلفة سلة من السلع والخدمات لعائلة لديها أطفال وأخرى بلا أطفال، والفرق بينهما يمثل تكلفة الأطفال.
لكن هذا الأسلوب، وإن بدا بسيطاً، يحمل تعقيدات كثيرة ، هل تحتاج الأسرة إلى غرفة نوم رابعة لطفل ثالث؟ أو إلى سيارة أكبر؟ أو إلى ثلاجة أكبر حجماً؟ وهل سيذهب الأطفال إلى مدارس حكومية أم خاصة؟
هل تحتاج الأسرة إلى خدمات رعاية نهارية للأطفال أم سيبقى أحد الوالدين في المنزل فيما يعرف بالرعاية المنزلية؟ وماذا عن الملابس والألعاب ؟
أما الأسلوب الثاني، وهو محور الدراسة الحالية، فيعتمد على المنهج الإحصائي القائم على الاستطلاعات أو ما يُعرف تقنياً بـ"مبدأ التكافؤ في الرفاه".
ويُقارن هذا المنهج بين مستويات المعيشة لدى أسرٍ لديها أطفال وأسر بلا أطفال، بهدف معرفة مقدار الدخل أو الإنفاق الإضافي المطلوب للحفاظ على نفس مستوى المعيشة.

كيف تُقاس مستويات المعيشة؟

يُقاس مستوى المعيشة بنسبة الدخل أو الإنفاق الإجمالي الذي يُصرف على الحاجات الأساسية مثل الطعام والمرافق.
وتقوم الفكرة على أن الأسرة التي تنفق نسبة أقل من دخلها على السلع الأساسية تتمتع عادة بمستوى معيشة أعلى من الأسرة التي تنفق نسبة أكبر على تلك السلع.
ويشير الباحثون إلى أن آخر مسح وطني شامل للإنفاق في أستراليا يعود إلى عشر سنوات مضت، ولذلك استخدموا في دراستهم الجديدة مؤشر "الضغوط المالية" كمقياس لمستوى المعيشة.
وباستخدام بيانات مسح الدخل والعمل والإسكان (HILDA)، حلل الباحثون العلاقة بين الضغوط المالية والدخل وعدد من المتغيرات الأسرية الأخرى، ثم قدّروا مقدار الدخل الإضافي الذي تحتاجه الأسرة التي لديها أطفال للحفاظ على نفس مستوى المعيشة الذي تنعم به أسرة بلا أطفال.
ويُعتبر هذا الدخل الإضافي هو تكلفة تربية الأطفال.
لكن رغم مزايا هذه الطريقة، فإن من أبرز عيوبها أنها لا تقدّر المبلغ الذي تحتاج الأسرة إلى إنفاقه، بل المبلغ الذي تنفقه فعلياً، وهو ما قد يتجاوز الحاجة الفعلية.

كم تنفق الأسر فعلاً على الأطفال؟

تُظهر نتائج الدراسة أن الأسر الأسترالية تنفق نحو 13 في المئة من دخلها المتاح على الطفل الأول، ونحو 10 نقاط مئوية إضافية لكل طفل بعده.
ويعني ذلك أن الزوجين في سن العمل اللذين يحصلان على دخل بعد الضريبة يبلغ نحو 130 ألف دولار سنوياً، ينفقان ما يقارب 17 ألف دولار سنوياً على الطفل الأول، وحوالي 13 ألف دولار سنوياً على كل طفل تالٍ.
وبناءً على ذلك، تُقدّر تكلفة تربية الطفل الأكبر حتى بلوغه سن الرشد بنحو 300 ألف دولار أسترالي وفقاً للقيمة الحالية، بينما تبلغ تكلفة كل طفل لاحق حوالي 230 ألف دولار.
وتُظهر البيانات أيضاً أن الأسر ذات الدخل المنخفض تنفق نسبة أعلى من دخلها على الأطفال، إذ تصل إلى 17 في المئة للطفل الأول و13 في المئة للأطفال اللاحقين، لكنها تنفق مبالغ أقل من حيث القيمة المطلقة.
أما من حيث الفئة العمرية، فيقول الباحثون إن هناك قدراً من عدم اليقين، لكن النتائج الحديثة تشير إلى أن الأطفال الأصغر سناً والأكبر سناً أكثر كلفة نسبياً من الأطفال في الفئة المتوسطة (من 6 إلى 12 عاماً)، وهو ما يتعارض مع الاعتقاد التقليدي بأن الأكبر سناً هم الأكثر كلفة.
ويؤكد الباحثون أن هذه التقديرات ليست نهائية ولا ثابتة ، لأن طرق الحساب تختلف باختلاف التعريفات والمعايير والمنهجيات المستخدمة في تحليل البيانات.

هل أصبحت تربية الأطفال أغلى الآن؟

من خلال بيانات مسح HILDA التي جُمعت على مدى سنوات طويلة، يمكن مقارنة تكلفة الأطفال عبر الزمن، وإن كانت المقارنة غير مثالية.
وتشير العينات السنوية، رغم صِغر حجمها واحتمال وقوعها في هامش الخطأ، إلى أن تكلفة تربية الأطفال لم تتغير كثيراً منذ عام 2001.
ويقول الباحثون إن نتائجهم لا تفسر بشكل مباشر أسباب انخفاض الخصوبة في أستراليا، وهو انخفاض تشهده معظم الدول المتقدمة.
وتُظهر بيانات أخرى من مكتب الإحصاءات الأسترالي ومسوح الضغوط المالية أن دخول الأزواج الذين لديهم أطفال ارتفعت بالفعل على المدى الطويل، وإن كان الارتفاع محدوداً في السنوات الأخيرة.
ويُرجَّح أن يكون سبب انخفاض معدلات الإنجاب والخصوبة مرتبطاً بعوامل أخرى، منها تأجيل الزواج والإنجاب من أجل التركيز على العمل أو الدراسة، إضافة إلى تزايد قبول فكرة عدم الإنجاب لدى الأزواج كخيار، خصوصاً لدى النساء.
ويضيف الباحثون أن البعض قد يتردد في الإنجاب بسبب تصوّرهم أن الكلفة أعلى مما هي عليه في الواقع، أو لأنهم ببساطة يفضلون إنفاق أموالهم على مجالات أخرى.
وبالتالي يصبح حساب تكلفة تربية الأطفال مسألة معقدة وغير دقيقة تماماً، لكن الدلائل المتاحة لا تشير إلى أن الكلفة المباشرة لتربية الأطفال ارتفعت بمرور الوقت.
ويرجح ان يكون تراجع معدلات الإنجاب في صفوف الأجيال الشابة مرتبطا بعوامل متعددة، ولا يمكن اختزاله في مسألة القدرة المادية أو غلاء المعيشة وحدها.، اذ يختار الجيل الجديد تأجيل الإنجاب أو الاكتفاء بعدد أقل من الأطفال نتيجة مزيج من الخيارات والقيم الاجتماعية الجديدة ، وليس بالضرورة بسبب تحمل تكاليف الانجاب وتربية الاطفال.

أكملوا الحوارات على حساباتنا على فيسبوك وانستغرام.
للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.

شارك

نشر في:

By Ben Phillips
تقديم: Mohammed Alghezy
المصدر: The Conversation

تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand