رئيس الحكومة نواف سلام أعلن عن تكليف الجيش اللبناني إعداد خطة تطبيقية لحصر السلاح بيد الجهات الأمنية الرسمية، تنفيذاً للترتيبات المنصوص عليها في اتفاق وقف الأعمال العدائية الأخير، على أن تُعرض الخطة على مجلس الوزراء قبل الحادي والثلاثين من الشهر الجاري.
حزب الله يرفض ويتهم الحكومة بـ"الاستسلام"
في رد فعل شديد اللهجة، رفض "حزب الله" القرار، واعتبره "كأنه غير موجود"، واصفًا إياه بـ"خطيئة كبرى". وجاء في بيان الحزب أنّ ما أقدمت عليه الحكومة يُعدّ "جزءًا من استراتيجية الاستسلام، وإسقاطًا صريحًا لمقومات سيادة لبنان"، مشددًا على أنّ القرار "يُطلق يد إسرائيل للعبث بأمن البلاد وجغرافيتها ومستقبلها".
الحزب، المدعوم من طهران، ربط القرار بما وصفه بـ"إملاءات المبعوث الأميركي"، معتبراً أنه يصبّ "بشكل كامل في مصلحة إسرائيل"، ويعرّي لبنان من أي قدرة ردعية.
وزراء محسوبون على الحزب ينسحبون
تعبيرًا عن الرفض، انسحب وزير الصحة راكان ناصر الدين ووزيرة البيئة تمارا الزين من جلسة الحكومة. وأكد الحزب أنّ هذه الخطوة تمثّل احتجاجاً واضحاً على ما وصفه بـ"إخضاع لبنان للوصاية الأميركية والاحتلال الإسرائيلي".
الحكومة: خطوة في مسار تنفيذ اتفاق وقف النار
من جهتها، أدرجت الحكومة القرار ضمن سياق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب بين حزب الله وإسرائيل في السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، والذي ينصّ على حصر السلاح بالأجهزة الشرعية الرسمية. ورغم الاتفاق، لا تزال إسرائيل تنفذ ضربات جوية في جنوب لبنان، وقد شنت الأربعاء غارات أسفرت عن سقوط قتيل وعدد من الجرحى، بحسب السلطات اللبنانية.
انقسام سياسي داخلي: "قرار تاريخي" أم "تنازل مجاني"؟
القرار الحكومي نال تأييدًا من خصوم حزب الله، الذين اعتبروه خطوة طال انتظارها منذ انتهاء الحرب الأهلية. حزب "القوات اللبنانية" وصف القرار بأنه "تاريخي" كان يفترض اتخاذه قبل خمسة وثلاثين عامًا، بينما رأى حزب "الكتائب اللبنانية" أنه "يضع لبنان على طريق استعادة السيادة وقرار الدولة الحرّ".
أما "التيار الوطني الحر"، الحليف المسيحي السابق للحزب، فأكد دعمه لحصر السلاح بالمؤسسات الأمنية، مع تسليم سلاح المقاومة للجيش "من أجل تعزيز القوة الدفاعية للبنان".
في المقابل، رأت "حركة أمل"، الحليفة الشيعية لحزب الله، أنّ الحكومة "تقدّم تنازلات مجانية للعدو الإسرائيلي"، داعية إلى التركيز أولاً على تثبيت وقف النار. واعتبرت الجلسة المقبلة للحكومة فرصة "للتصحيح وعودة التضامن اللبناني".
إيران تراقب عن بُعد
في موقف خارجي لافت، صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنّ القرار في ما يتعلّق بسلاح حزب الله "يعود إليه وحده"، مشددًا على أن طهران "تدعم الحزب عن بُعد دون التدخل في قراراته". ولفت إلى أنّ الحزب "أعاد بناء" قدراته بعد النكسات التي تكبّدها خلال المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.
مستقبل مجهول ومخاوف من التصعيد
يأتي هذا التطور في وقت لا تزال فيه إسرائيل تحتفظ بمواقع عسكرية داخل الأراضي اللبنانية وتلوّح بتوسيع عملياتها في حال لم يتم نزع سلاح الحزب. وفيما تعتبر الحكومة خطوتها مدخلًا لاستعادة السيادة وتنفيذ القرارات الدولية، يرى حزب الله وحلفاؤه أنّها تأتي استجابةً لضغوط أميركية – إسرائيلية وتعرّض لبنان للخطر.
في ظل هذا الانقسام الحاد، تبقى الأنظار متجهة إلى جلسة الحكومة المقبلة، حيث يُنتظر أن يتبلور المسار السياسي والأمني لهذه القضية الشائكة، التي تُعدّ من أعقد ملفات لبنان وأكثرها حساسية منذ نهاية الحرب الأهلية.