من "رهان شجاع" إلى واقع معقد
عندما وُقّعت اتفاقيات أوسلو قبل أكثر من ثلاثين عاماً في البيت الأبيض، بدا وكأن السلام أصبح ممكناً بين الفلسطينيين والإسرائيليين. آنذاك وصف الرئيس الأميركي بيل كلينتون الاتفاق بأنه "رهان شجاع"، فيما وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات أسساً متبادلة للاعتراف والعيش بسلام.
لكن اغتيال رابين عام 1995، ثم تصاعد النزاعات، وصولاً إلى الحرب الدامية التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023، عرقل كل الجهود السياسية وأبقى مستقبل السلطة الفلسطينية موضع شك.

(Left to right) Then-Israeli prime minister Yitzhak Rabin, then-US president Bill Clinton, then-Palestine Liberation Organization chair Yasser Arafat and former US secretary of state Warren Christopher pose during the signing of the Oslo peace accord in 1993. Source: Getty / Dirck Halstead
الموقف الأسترالي وردود الفعل
أعلنت الحكومة الأسترالية نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال أيلول/ سبتمبر المقبل، مؤكدة أن ذلك يشكل مساهمة في الدفع نحو حل الدولتين ووقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى.
في المقابل، شككت المعارضة الأسترالية بجدوى هذه الخطوة، معتبرة أن الاعتراف بدولة لا تملك حدوداً متفقاً عليها ولا حكومة موحدة ولا ضمانات للسلام مع جيرانها يطرح إشكاليات سياسية وقانونية.
جدل قانوني ودبلوماسي
يرى خبراء القانون الدولي، مثل البروفيسور دونالد روثويل من الجامعة الوطنية الأسترالية، أن الأراضي الفلسطينية تستوفي معايير "اتفاقية مونتيفيديو" الخاصة بقيام الدول، بما في ذلك وجود شعب دائم وحكومة وإمكانية إقامة علاقات مع الدول الأخرى.
لكنّه يوضح أن الاعتراف بالدولة لا يرتبط فقط بالشروط القانونية، بل يخضع أيضاً لحسابات سياسية ودبلوماسية، كما هو الحال مع تايوان التي لا تزال غير معترف بها من غالبية المجتمع الدولي رغم استيفائها للمعايير.

Prime Minister Anthony Albanese has announced Australia will recognise Palestinian statehood in September. Source: AAP / Dean Lewins
صورة السلطة الفلسطينية
تعوّل أستراليا ودول أخرى على السلطة الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، خصوصاً بعد التزاماتها الأخيرة بالإصلاح، ووقف مدفوعات الأسرى، وإجراء انتخابات عامة.
غير أنّ هذه السلطة، التي يقودها الرئيس محمود عباس منذ عشرين عاماً، تواجه انتقادات واسعة تتعلق بالفساد وضعف الكفاءة وغياب تداول السلطة. كما أنّ الولايات المتحدة فرضت عقوبات على بعض مسؤوليها بسبب ما وصفته بتشجيع العنف ودعم الإرهاب.
تحديات داخلية وخارجية
تواجه السلطة الفلسطينية معضلة مضاعفة؛ فمن جهة، تتهمها قطاعات فلسطينية بالتقصير والفساد، ومن جهة أخرى، تتهمها قياداتها بأنها تتعرض للتقويض الإسرائيلي عبر الاستيطان ومصادرة الأراضي وإضعاف قدرتها على كسب ثقة الشارع.
ولا تملك السلطة أي نفوذ في قطاع غزة منذ سيطرة حركة "حماس" عليه عام 2007 بعد صراع دموي مع حركة "فتح". ومع الحرب الأخيرة، تراجعت قوة "حماس" بشكل كبير إثر اغتيال قادتها البارزين، لكن مستقبل القطاع لا يزال غامضاً.

Palestinian President Mahmoud Abbas will be turning 90 later this year. Source: AAP / Alaa Badarneh/EPA
دور الدول العربية والمجتمع الدولي
يرى خبراء أن إعادة بناء غزة بعد الحرب تتطلب جهوداً إقليمية ودولية هائلة، بمشاركة السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وتركيا. كما يطرح بعض المحللين فكرة نشر قوة استقرار دولية لحماية الدولة الفلسطينية المرتقبة من الداخل ومن التهديدات الخارجية.
في هذا السياق، أكد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي أن بلاده ستعمل مع شركائها على خطة سلام موثوقة تتضمن ترتيبات للحكم والأمن للفلسطينيين، وفي الوقت نفسه تضمن أمن إسرائيل.

Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu was an outspoken critic of the Oslo Accords when he first came to power in 1996. Source: AAP / Abir Sultan/AP
مفترق طرق
رغم عقود من الإخفاقات، يرى مراقبون أن العالم يقف اليوم أمام نقطة تحول، حيث لم يعد ممكناً تجاهل الحاجة إلى حل سياسي يعيد الأمل للفلسطينيين ويضع حداً لنزيف الدماء.
ويعتبر البعض أن اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل قد يشكل بداية جديدة، وأن المشهد "ليس ميؤوساً منه كما قد يبدو"، خصوصاً مع وجود نماذج سابقة لدول متحاربة تحولت لاحقاً إلى شريكة في السلام مثل مصر والأردن.