تستضيف صالات السينما في ملبورن افلام مهرجان ملبورن السينمائي الدولي MIFF والذي يعد واحدا من أكبر المهرجانات السينمائية في العالم، وأحد أبرز الفعاليات الثقافية في أستراليا.
ويجمع سنويا مئات الأفلام من القارات الخمس، وهو منصة رئيسة لعرض الأفلام الحائزة جوائز كبرى، إلى جانب كونه نافذة للأصوات السينمائية الجديدة التي تحمل قصصا من قلب المجتمعات.
ويشارك الفيلم العراقي "كعكة الرئيس" (The President’s Cake) ، للمخرج والكاتب حسن هادي في المهرجان وذلك في عرضه الأول داخل أستراليا.
"كعكة الرئيس" أو مملكة القصب ليس مجرد فيلم عابر؛ فهو العمل الروائي الطويل الأول لمخرجه، وقد دخل تاريخ السينما العراقية من أوسع أبوابه بحصده جائزة "الكاميرا الذهبية"في مهرجان كان السينمائي 2025، وهي أرفع جائزة تمنح للعمل الأول بالاضافة الى جائزة الجمهور في المهرجان نفسه

بطلة الفيلم التلميذة اليتيمة لميعة .. ونظرة حيرة بعد أن وقعت عليها قرعة أعداد كعكة عيد ميلاد الرئيس
المخرج حسن هادي : فوز فيلم عراقي في مهرجان كان يثبت قدرة قصصنا على الوصول للعالمية
وعن الفيلم ومشاركته في MIFF بوصفها خطوة جديدة في مسيرة ناجحة، تحدث لـ "أس بي أس عربي " المخرج السينمائي العراقي حسن هادي وقال إن "المشاركة في مهرجان ملبورن تمثل حلماً عراقياً جديداً بعد جولة في مهرجانات عالمية"، مؤكداً أن "فوز فيلم عراقي للمرة الأولى بجائزتين في كان يثبت أن القصص العراقية قادرة على الوصول إلى جمهور عالمي إذا رويت بإتقان".
واضاف "أن تراثنا وثقافتنا وحضارتنا فيها ما يكفي من القصص التي تؤثر في المشاهد العالمي والأجنبي وتهمه".
واشار الى أن اسم العمل بالعربية هو "مملكة القصب"، موضحاً أن الترجمة الحرفية للعنوان الاول "مملكة القصب" لا تنقل إحساس الفيلم، وأن "مملكة القصب" تعبير رمزي عن سنوات البعث في العراق كـ"مملكة على عروش خاوية" ومضى الى القول "أعتقد أن هذا الأمر يفسر بشكل ممتاز سنين البعث في العراق".
واضاف "شعرت أن الترجمة الحرفية لن تكون موافقة للمعنى والشعور الحقيقي للفيلم وجاءت تسمية العنوان الإنجليزي (The President’s Cake) كعكة الرئيس
حسن هادي : الفيلم فرصة لتغيير الصورة النمطية عن العراق أمام الجمهور الأسترالي
وأشار إلى أن عرض الفيلم أمام جمهور أسترالي يضم جالية عراقية وعربية كبيرة "يشكل فرصة لتغيير الصورة النمطية عن العراق"، لافتاً إلى أن "الأجانب غالباً ما يعرفون البلد من خلال أخبار الحرب والعنف وتلك الصورة النمطية التي تشكلت من خلال تلك الاخبار"، بينما يروي فيلمه حكايات إنسانية لأناس عاشوا القهر والحصار وكانوا ضحايا لسياسات دولية ومحلية.
ورأى من أهم أدوار الفيلم هي " خلق مساحة للحوار"، سواء بين الأجيال أو بين الأشخاص أو بين الجنسيات، مؤكداً أن أسمى ما يحققه الفن هو إحياء النقاش وطرح الأسئلة.
وأشار إلى أن قصة "كعكة الرئيس" تفتح الباب للتساؤل: هل تعلمنا من تلك سنوات الحصار ؟ وهل تجاوزنا المعاناة بشكل صحيح؟ ، لافتاً إلى أن "آثار الحصار ما زالت تضرب جذور المجتمع العراقي، وتنهك الأخلاقيات، وتشيع الفساد وتبرره، وأن العراق ما زال حتى اليوم يعاني من إرث تلك الأزمة".
حسن هادي : فيلم كعكة الرئيس وثيقة زمنية تفتح الحوار بين الأجيال وتستعيد ذاكرة الحصار
وبيّن أن الفيلم يشكل وثيقة زمنية وتاريخية ينبغي أن تراها الأجيال التي لم تعش التسعينات أو لم تختبر الحقبة الدكتاتورية والحصار، موضحاً أن "كثيراً من العراقيين وُلدوا في الخارج ولم يروا العراق قط، وأن العمل يمكن أن يملأ فراغاً في ذاكرة المغترب أو العراقي أينما كان".
واستعاد هادي ذكريات الطفولة التي ألهمت فكرة الفيلم، مبيناً أنه "عاش بنفسه تجربة الاحتفال القسري بعيد ميلاد الرئيس في التسعينيات، سواء بالمشاركة في الفعاليات أو بخبز الكعكة أو التبرع بالمال"، مضيفاً أن الفيلم هو أول عمل عراقي يوثق سنوات الحصار الثلاث عشرة، في وقت يرى فيه أن السينما العراقية "لم تقترب بما يكفي من هذه المرحلة الحرجة".
وأوضح أن المزج بين الكوميديا السوداء والدراما السياسية جاء طبيعياً من روح القصة، مشيراً إلى أن "أوامر تلك المرحلة كانت تحمل سخرية مريرة ".
هادي : الكوميديا السوداء ولدت من رحم العمل فالاحتفال بعيد ميلاد الرئيس في زمن الحصار لم يكن نكتة بل قصة حقيقة
وتابع "شعرت ككاتب أن الفيلم يحتاج هذا التوازن وهذا الامر كان ضرورياً لتخفيف حدة القصة وجعلها أكثر قابلية للمشاهدة، خاصة وأن بطلتها طفلة".
ومضى المخرج حسن هادي إلى القول إن الفوز بـ"الكاميرا الذهبية" شرف ومسؤولية، ناقلاً نصيحة المخرج الإيراني جعفر بناهي له بالحفاظ على الشغف والتركيز لأن الطريق بعد هذا الفوز "سيصبح أكثر صعوبة".
وبيّن أن غيابه عن ملبورن هذا العام يعود إلى تعقيدات إجراءات السفر والتأشيرة، معتبراً أن ذلك أمر مؤسف وهو بالاساس يتعلق بمسؤولية الموزع، لأن حقوق الفيلم مع الموزع الأسترالي، وهو مسؤول الآن عن تنفيذ خطة ترويجية للفيلم ونشر الوعي عنه.
وعبر عن أمله في ان لا يحدث الامر ذاته مع مهرجانات اخرى وقال " نأمل ان نشارك في مهرجان أديلايد السينمائي ومهرجان كوينزلاند السينمائي، وأتمنى ألا تكون هذه آخر مشاركة لي في أستراليا بعد مهرجان ملبورن".
وأكد هادي أنه يصر على تصوير أعماله المقبلة داخل العراق وبممثلين محليين، رغم عروض التمويل التي اشترطت التصوير في الخارج، مضيفاً أن كسر حاجز الخوف من العمل داخل العراق هدف فني وإنساني بالنسبة له.
وخلص إلى القول إن "كعكة الرئيس" ليس مجرد فيلم عن الماضي، بل عن ذاكرة لم تندمل وعن جيل عاش زمن الخوف والقسوة، وختم مؤكداً أن العمل هو "رسالة حب مؤلمة لحقبة التسعينات، حب مليء بالألم والحرمان لكنه أيضاً نوستالجيا لزمن عشناه بكل ما فيه".
يمكنكم الاستماع للتقرير في التدوين الصوتي أعلاه.