الوسيط العقاري داميان والاس، الذي يعمل في منطقة "نورث سيدني" حيث يبلغ متوسط سعر المنزل ثلاثة ملايين دولار، قال إنّ الاتصالات من الراغبين بشراء منازلهم الأولى تضاعفت خلال الأسبوع الأخير.
لكنه حذّر من أن الواقع "أكثر تعقيداً مما يبدو، البرنامج مفيد للفئة المناسبة من المشترين، لكنه في الحقيقة ليس برنامج إيداع بنسبة 5%، بل هو أقرب إلى برنامج اقتراض بنسبة 95%".
ما الذي تغيّر للمشترين الجدد؟
ابتداءً من الأول من تشرين الأوّل/أكتوبر، أصبح بإمكان الأستراليين شراء منازلهم الأولى بدفعة مقدّمة تبلغ 5% فقط بدلاً من 20% المعتادة، مع تحمّل الحكومة الفيدرالية لباقي الضمان.
البرنامج الذي بات يُعرف باسم "مخطط الإيداع بنسبة 5%" توسّع مؤخراً، مع إلغاء الحدود السابقة على الدخل وعدد الأماكن المتاحة، في خطوة تهدف إلى تسريع دخول الشباب إلى سوق العقارات وتخفيف عبء الادخار الطويل.
وزيرة الإسكان كلير أونيل وصفت البرنامج بأنه "يغيّر حياة الناس"، مشيرةً إلى أنّه قد يُوفّر على بعض المشترين نحو عشر سنوات من الادخار. لكنّ سياسيين آخرين، من بينهم السيناتورة عن حزب الخضر بربارة بوكوك، اعتبروا أنّ الخطة ستؤدي إلى رفع الطلب وأسعار العقارات، ما يجعل امتلاك المنزل أصعب للفئات المحدودة الدخل.
أصحاب الدخل المتوسط... خارج اللعبة تقريباً
عند تحليل الأرقام، تتضح حدود البرنامج بشكل جليّ. فالاس قال إنّ شخصاً واحداً يتقاضى الدخل الأسترالي الوسيط البالغ 73 ألف دولار سنوياً لن يستطيع سوى اقتراض ما بين 250 ألفاً إلى 275 ألف دولار، وهو مبلغ لا يكفي حتى لشراء شقة صغيرة في أطراف سيدني.
"بهذا الدخل، من الصعب جداً شراء حتى وحدة سكنية صغيرة في سيدني"، يضيف والاس."الوضع أكثر واقعية في ولايات مثل جنوب أستراليا أو تسمانيا، حيث الأسعار أقل بكثير".لكنّ الصورة تتحسّن قليلاً للأزواج، إذ يمكن لاثنين يتقاضيان الدخل المتوسط اقتراض بين 755 ألفاً إلى 757 ألف دولار، بفضل تقاسم النفقات.
ومع ذلك، يبقى متوسط سعر المسكن في أستراليا فوق المليون دولار، بحسب مكتب الإحصاءات الأسترالي، وهو ما يجعل امتلاك العقار حلماً بعيد المنال للكثير من العاملين، بمن فيهم المدرّسون والممرضون، الذين قد يضطرون لإنفاق أكثر من 80% من دخلهم الشهري على الأقساط إذا اشتروا منزلاً في سيدني.

New property price caps are in place, to keep up with the growth of the property market. Source: SBS / Caroline Huang
التكاليف الخفيّة التي تغيب عن المشهد
حتى في حال الحصول على موافقة القرض، هناك نفقات إضافية كبيرة يجب على المشترين تحمّلها قبل تسلّم المفاتيح. والاس يوضح أنّ الرسوم القانونية وحدها قد تبلغ 3000 دولار، فيما تصل رسوم التسوية البنكية إلى نحو 1500 دولار، بالإضافة إلى رسوم الدمغة التي قد تتجاوز عشرات آلاف الدولارات في العقارات التي تفوق قيمتها مليون دولار.
ويضيف:
"عند جمع كل هذه المصاريف، ستجد أن إجمالي الدفعة الأولى المطلوبة على منزل قيمته مليون ونصف المليون دولار يصل إلى نحو 9.5% من ثمن الشراء، أي ما يقارب 150 ألف دولار."كما قد تفرض بعض البنوك فوائد أعلى على القروض التي تعتمد على دفعة مقدّمة صغيرة، فيما لا يقدّم الضمان الحكومي أي أموال مباشرة، بل يضمن فقط للبنك استرداد نسبة 15% المتبقية في حال تخلّف المقترض عن السداد.

Mortgage broker Damian Wallace says the 5% Deposit Scheme is a bit of a misnomer - there are other costs to consider that can quickly add up. Source: SBS
من المستفيد الحقيقي من البرنامج؟
يرى والاس أنّ الأزواج ذوي الدخل المرتفع هم الفئة الأكثر استفادة من الخطة، لأنهم يمتلكون القدرة على سداد أقساط القروض الكبيرة حتى مع ضعف مدخراتهم.
"البرنامج ممتاز لمن يملك دخلاً كافياً لإقناع البنك بقدرته على السداد، لكنه لا يساعد كثيراً من لا يملكون سوى راتب متوسط أو محدود"، يقول والاس.
أما بالنسبة للعزاب أو الشباب ذوي الدخل المتوسط، فيبقى الخيار الواقعي هو البحث عن وحدات صغيرة بأسعار تتراوح بين 4ٍ00 إلى 600 ألف دولار، وهو ما يتطلب أيضاً مستوىً ثابتاً من الادخار والنمو الوظيفي.
حلم المنزل الأسترالي ما زال بعيدًا
رغم أن الحكومة الفيدرالية تروّج لبرنامج الإيداع بنسبة 5% بوصفه مفتاحاً لحلم السكن، إلا أن الواقع المالي يُظهر أنه ليس حلاً سحرياً.
فالمشترون سيقترضون مبالغ ضخمة بفوائد طويلة الأمد، وقد يدفعون أكثر من 150 ألف دولار إضافية كفوائد على مدى عمر القرض، مقارنة بمن يدفعون الدفعة التقليدية بنسبة 20%.
وفي ظلّ ارتفاع أسعار العقارات واستمرار الضغوط المعيشية، يبدو أنّ امتلاك منزل في مدن كبرى مثل سيدني أو ملبورن سيبقى تحدياً صعباً، حتى مع البرامج الحكومية الداعمة.