استضاف الملك تشارلز ألبانيزي وخطيبته في أراضي قلعة بالمورال المترامية الأطراف في المرتفعات، في وقت تثير فيه هذه الزيارة جدلاً داخل أستراليا بشأن إنفاق أموال دافعي الضرائب على رحلته إلى المملكة المتحدة، التي تتضمن إلقاء خطاب خلال مؤتمر حزب العمال البريطاني في ليفربول.
جمهوري في حضرة الملك
وانتقل رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي من لندن في رحلة قصيرة ليوم واحد إلى المرتفعات الاسكتلندية، رحلة حملت بعداً رمزياً ، حيث حضر لقاء مع الملك تشارلز في قلعة بالمورال، ضمن جدول زيارته الرسمية إلى المملكة المتحدة.
اللقاء جرى في مكتبة تاريخية فخمة، تصطف على جانبيها رفوف خشبية عالية مليئة بالكتب، حيث ظهر الملك ببدلة رمادية وربطة عنق مخططة، بينما ارتدى ألبانيزي بدلة زرقاء داكنة وربطة عنق بلون قاتم، ووقف الاثنان أمام عدسات الكاميرات.
ونشر ألبانيزي صورة مع الملك على وسائل التواصل الاجتماعي ، قائلا إنه "لشرف لي أن ألتقيه".
وكان هذا رابع لقاء له مع العاهل البريطاني وعقب زيارة الملك إلى أستراليا في أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي.
ورغم أن ألبانيزي معروف بمواقفه الجمهورية الصريحة، إذ عيّن فور انتخابه وزيراً مساعداً لشؤون الجمهورية، فقد أكد انه لا يرى شهية سياسية لإجراء استفتاء قريب حول النظام الجمهوري ، ماضيا الى القول إنه "لا نية مطروحة حالياً لإجراء استفتاء حول النظام الجمهوري في هذه الدورة البرلمانية".
واوضح في حديثه لشبكة SBS World News أنه "لطالما دعمت أن يكون رئيس دولتنا أسترالياً".
وأضاف "لكن الترتيبات الحالية قائمة، وأعتقد أن لدينا علاقة تقوم على احترام متبادل. جلالة الملك متحمس لمصالح أستراليا، مهتم بالشؤون العالمية والمستقبل، وفرصة التعامل معه بشكل بنّاء هي فرصة سأغتنمها دائماً".
ويأتي اجتماع ألبانيزي مع الملك تشارلز بعد أسبوع من تأكيد الاخير على أهمية العلاقة الثلاثية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا أثناء استضافته للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مأدبة رسمية.
وقال الملك في قلعة وندسور إن "شراكتنا في الغواصات أوكوس AUKUS ، مع أستراليا ، تضع معيارا للتعاون المبتكر والحيوي".
ألبانيزي وخلال زيارته لندن اكد ثقته بمستقبل اتفاق الغواصات النووية أوكوس AUKUS مع بريطانيا والولايات المتحدة، مشيراً إلى أنه "لا توجد أي مؤشرات سوى الدعم المتواصل للمضي قدماً في الاتفاق، لأنه يصب في مصلحة الدول الثلاث".
وتقوم وزارة الحرب الأميركية بمراجعة الاتفاقية وخلال رحلة الرئيس الأميركي إلى لندن الأسبوع الماضي ، كان كل من ستارمر والملك تشارلز أكدا دعمها الاتفاقية علنا.
مشهد عند بوابة القلعة
زيارة ألبانيزي لقلعة بالمورال لم تمر من دون مشهد جانبي لافت. فقد كانت السائحة الأسترالية ديب ميلر في زيارة إلى المنطقة عندما شاهدت موكب سيارات داكنة اللون يدخل القلعة. قاد الموكب فولفو زرقاء داكنة، بينما ظهر ألبانيزي وهايدون وهما يعبران البوابة نحو لقاء الملك.
وقالت ميلر إنها اعتقدت في البداية أن أحد أفراد العائلة المالكة في طريقه للوصول. وأضافت مازحة "كان سيكون لطيفاً لو توقف وقال مرحباً"، مشيرة إلى أنها شاهدت رئيس الوزراء يمر بسيارة ذات نوافذ مظللة من دون أن يتوقف.
وأوضحت ميلر أنها قصدت القلعة لمشاهدة معالمها، لكنها وجدتها مغلقة أمام الجمهور في ذلك اليوم. لذلك اعتبرت أن رؤية رئيس وزرائها من الجانب الآخر من العالم كانت بمثابة تجربة سياحية غير متوقعة.
سياق الزيارة الأشمل .. ودور محتمل لتوني بلير في غزة
اللقاء مع الملك تشارلز جاء في ختام يوم سياسي مزدحم لألبانيزي في لندن، حيث اجتمع مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وأعرب عن قلقه من صعود الشعبوية واليمين المتطرف في دول عدة.
كما التقى برئيس الوزراء الأسبق توني بلير، الذي يطرح اسمه حالياً في وسائل الإعلام كخيار لقيادة هيئة مؤقتة لإدارة قطاع غزة، وهو مقترح يثير جدلاً عربياً واسعاً بسبب دور بلير في حرب العراق عام 2003.
ووفقاً للتقارير بهذا الشأن، قد تمتد مهمة الهيئة لمدة تصل إلى خمس سنوات، من دون مشاركة مباشرة من السلطة الفلسطينية. وبعد انتهاء الفترة الانتقالية، يُفترض أن تتولى قوة متعددة الجنسيات بقيادة عربية، وبتنظيم من الأمم المتحدة، مهمة حفظ السلام في القطاع.
بيد أن السؤال الأساسي يظل مطروحاً حول كيفية استقبال الفلسطينيين لهذا المقترح، إذ ما زال بلير مرتبطاً في الذاكرة بدوره في إدخال بريطانيا إلى حرب العراق عام 2003.
مكتب بلير أكد من جانبه أنه "لن يقوم بأي خطوة من شأنها تهجير سكان غزة".
زيارة ألبانيزي لبريطانيا تأتي بعد جولة في الولايات المتحدة شملت لقاءات مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، وقبل مشاركته في مؤتمر حزب العمال البريطاني في ليفربول، الذي يسعى من خلاله ستارمر لاكتساب خبرة من حملة ألبانيزي الانتخابية التي حققت فوزاً كاسحاً في مايو الماضي.
ومن المتوقع أيضا أن يحضر المؤتمر رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة جاسيندا أرديرن ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني.
المعارضة تنتقد اجندة الزيارة
زعيمة المعارضة الأسترالية سوزان لي شنّت هجوماً على ألبانيزي، وقالت إنه موجود في بريطانيا بصفته رئيس وزراء أستراليا، "وليس بصفته زعيماً لحزب العمال الأسترالي".
وأضافت انه "لا ينبغي له أن يتجول في المؤتمرات السياسية لحزب العمال على حساب دافعي الضرائب، ليتجول مع رفاقه اليساريين".
رد ألبانيزي: أجندة رسمية ولا تقتصر على طرف سياسي واحد
في المقابل، أكد ألبانيزي أن أجندته في بريطانيا مزدحمة بلقاءات وزارية مهمة، موضحاً أنه سيجتمع في ليفربول مع وزير الدفاع ووزيرة الداخلية البريطانيين.
وأشار إلى أنه التقى بالفعل بزعيمة المعارضة البريطانية كيمي بادينوك في لندن، في محاولة لإبراز أن لقاءاته لا تقتصر على طرف سياسي واحد.
وقال البانيزي لـشبكة SBS World News "ألتقيت بكيمي بادينوك بالأمس في لندن"، مبينا أن ذلك "يندرج ضمن مساعيه للتواصل مع مختلف ألوان الطيف السياسي البريطاني".
وأكد أن وجود ملفات استراتيجية كبرى، مثل اتفاقية التجارة الحرة بين أستراليا وبريطانيا، وصفقة الغواصات النووية في إطار شراكة أوكوس، يحتم عليه مواصلة الحوار مع مختلف المسؤولين البريطانيين.
وبذلك، جمعت زيارة ألبانيزي بين أجندة داخلية مشحونة بالجدل حول كلفة الرحلة، وأجندة خارجية تطمح إلى تعزيز العلاقات مع بريطانيا، والتشاور في قضايا عالمية مثل السلام في الشرق الأوسط، واتفاقية أوكوس، والتغير المناخي، بينما لم يغب البعد الرمزي المتمثل بلقاء الجمهوري المعلن مع الملك الذي لا يزال يمثل رأس الدولة الأسترالية.