وقع المجلس العسكري وحركة الاحتجاج في السودان أمس اتفاقا من شأنه أن يمهد لبدء مرحلة انتقالية تؤدي الى حكم مدني في البلاد التي يأمل أهلها بمزيد من الحريات وحياة أفضل.
وإذا كان الطريق نحو الديموقراطية قد يحتاج وقتاً طويلاً، فإنّ توقيع الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بفضل وساطة إثيوبية وإفريقية، أفضى إلى احتفالات في الخرطوم التي تجمّع فيها سكانها وآخرون أتوا من باقي نواحي البلاد.
ووقع "الوثيقة الدستورية" كل من نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي وممثل تحالف "إعلان قوى الحرية والتغيير" أحمد الربيع في قاعة فخمة تطل على نهر النيل في الخرطوم.
وفور انتهاء التوقيع، حمل رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان الوثيقة التي وضعت في غلاف سميك باللون الأخضر عاليا ولوح بها وسط تصفيق الحاضرين، وبينهم رؤساء دول وحكومات إفريقية وممثلون عن الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما حضر وزراء ومسؤولون من دول خليجية وعربية.
وجلس حميدتي والربيع على المنصة الرئيسية وبجوارهما رئيس وزراء إثيوبيا أبيي أحمد ورئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي.
ووصف ممثل الاتحاد الإفريقي موسى فكي محمد في كلمة ألقاها خلال الاحتفال، التوقيع "بالإنجاز التاريخي العظيم".
ثم ألقى الزعيم المعارض الصادق المهدي كلمة اعتبر فيها أن هذا اليوم هو "يوم عبور الى الحكم المدني الذي سيحقق السلام والتحوّل الديموقراطي عبر انتخابات حرة احتكاما للشعب السوداني".

New ear in Sudan Source: EPA
وأكد ضرورة فتح الباب أمام "كل القوى التي لم تلوث مواقفها بالاستبداد"، والى عدم إقصاء أحد.
فرح السودان
وينهي الاتّفاق الذي تم التوصل إليه في الرابع من آب/أغسطس نحو ثمانية أشهر من الاضطرابات بدأت بتظاهرات حاشدة ضدّ الرئيس عمر البشير. وأطاح الجيش بالبشير تحت ضغط الشارع في نيسان/أبريل، بعد 30 عاما من حكم السودان بقبضة من حديد.
وتم التوصل الى الاتفاق بين المجلس العسكري الذي تولى الحكم بعد الإطاحة بالبشير، والمحتجين بعد عملية قمع دامية لاعتصام كان يطالب بتسليم الحكم الى المدنيين.
وعلقت لافتات داخل القاعة التي تم فيها التوقيع اليوم، كتب عليها "فرح السودان".
ودعا القيادي في "قوى إعلان الحرية والتغيير" محمد ناجي الأصم في كلمة طويلة، أعضاء المجلس العسكري الى أن "نطوي معا صفحات مزمنة من الدكتاتورية البغيضة" في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، و"نؤسس معا ديموقراطية مستدامة" في السودان.
وعن البشير قال إنه "لم يترك ذنبا إلا واقترفه"، مشددا على أن "المساءلة والمحاسبة القضائية من أهم واجبات الحكومة" الانتقالية المزمع تشكيلها.

Source: EPA
كما أكد تمسك قوى الحرية والتغيير "بإجراء تحقيق شفاف وموضوعي في مجزرة القيادة العامة وكافة الانتهاكات التي صاحبت الثورة" منذ كانون الأول/ديسمبر.
من جهة أخرى، طالب الأصم بالعمل على "وضع كافة أشكال التمييز ضد المرأة خلف ظهورنا"، مشيرا الى أن النظام السابق "اضطهد المرأة".
ودعا الى تخصيص "40 في المئة كحد أدنى من مقاعد المجلس التشريعي الانتقالي" للنساء.
ووصف البرهان اليوم بأنه "يوم نصر أمتنا التاريخي". وقال متوجها الى السودانيين "قواتكم المسلحة ستبذل الغالي والنفيس من أجل حماية الشعب السوداني وتحقيق الانتقال الى الحكم الديموقراطي".
ورّغم انّ الطريق إلى الديموقراطية لا تزال حافلة بالكثير من العقبات، فقد خيمت الأجواء الاحتفالية على البلاد منذ الصباح.
وقالت سعيدة خليفة بينما كانت تنزل من قطار أقلها إلى الخرطوم مع الآلاف من عطبرة، المدينة التي انطلقت منها الاحتجاجات ضد البشير، "نأمل في ان يتمكن السودان من المضي قدما، نريد أن نفخر ببلادنا".
مؤسّسات جديدة
وسيتم اليوم الإعلان عن تشكيلة مجلس الحكم الانتقالي الجديد الذي سيكون بغالبيته من المدنيين.
وأعلن قادة الحركة الاحتجاجية الخميس أنّهم اتّفقوا على تعيين المسؤول السابق في الأمم المتحدة عبد الله حمدوك، وهو خبير اقتصادي مخضرم، رئيساً للوزراء.
ومن المتوقّع أن يركّز حمدوك جهوده على إصلاح الاقتصاد الذي يعاني من أزمة منذ انفصل الجنوب الغني بالنفط العام 2011 عن الشمال. وشكّل الوضع المعيشي شرارة الاحتجاجات ضد حكم البشير.
لكنّ العديد من السودانيين يشكّكون في قدرة المؤسسات الانتقالية على كبح جماح القوى العسكرية خلال فترة السنوات الثلاث التي ستسبق الانتخابات.

Source: EPA
وسيحكم البلد الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة مجلس سيادة من 11 عضواً. وينص الاتفاق على أنّ يعين العسكر وزيري الداخلية والدفاع، وسيرأسه بداية عسكري لمدة 21 شهراً.
ولدى خروج دقلو من قاعة التوقيع، استقبله حشد معاد، فيما تولى عناصر من القوات شبه العسكرية التي يقودها، قوات الدعم السريع المتهمة بالمسؤولية عن تفريق اعتصام الخرطوم، إدخاله سريعاً إلى سيارته وسط هتاف المحتشدين: "الدم بالدم".
