الاشتراكات تلتهم الميزانيات
يبدو أن الأستراليين يدفعون اليوم أكثر من أي وقت مضى مقابل خدماتهم الرقمية لكن ليس لأنهم يشاهدون أو يستمعون أكثر.
فعلى غرار الكثيرين، كانت رويا رعد، البالغة من العمر 29 عاماً من ملبورن، تنفق عشرات الدولارات شهرياً على اشتراكات الأفلام والموسيقى، قبل أن تقرر مؤخراً إعادة النظر في مصروفاتها الرقمية.
قررنا التوقف مؤقتاً عن بعض الاشتراكات مثل نتفليكس لتوفير بعض المال، لأننا شعرنا أننا لا نستفيد بما يكفي مقابل ما ندفعهرويا رعد
الآن، لا تحتفظ رعد وزوجها سوى باشتراكين فقط، ويقومان كل شهر بمراجعة ما يدفعانه، وإلغاء أي خدمة يشعران أن تكلفتها باتت أعلى من قيمتها.
Roya Raad only keeps the streaming subscriptions that she uses regularly. Source: SBS / Supplied
ارتفاع قياسي في الإنفاق على الاشتراكات
بحسب تقرير جديد لشركة ديلويت (Deloitte)، ارتفع متوسط الإنفاق الشهري على الاشتراكات في أستراليا بنسبة 24% ليصل إلى 78 دولاراً في عام 2025، مقارنة بـ63 دولاراً في العام الماضي.
ويملك كل منزل أسترالي في المتوسط 3.7 اشتراكات في خدمات بث أو موسيقى أو رياضة.
وأظهر التقرير، الذي شمل 2000 مشاركاً من مختلف الأجيال، أن 36% من الأستراليين تجاوزوا ميزانيتهم الشهرية المخصصة للاشتراكات، بينما عبّر 78% عن قلقهم من ارتفاع التكاليف المستمرة.
نعيش اليوم في عالم لا نملك فيه الأشياء، بل نشترك في كل شيء. لذلك من الطبيعي أن ترتفع الأرقام بهذا الشكل”تأثير فندق كاليفورنيا": صعب الدخول.. مستحيل الخروجشاندني غوبتا، نائبة الرئيس التنفيذي لمركز أبحاث سياسات المستهلك (CPRC)
يصف الخبراء ظاهرة زيادة الإنفاق بأنها نتيجة لتغيرات في السوق وسلوك المستهلكين معاً، خصوصاً بعد الزيادات المتكررة في أسعار خدمات مثل نتفليكس وسبوتيفاي.
لكن المشكلة الأكبر تكمن في ما يسمى بـ "فخ الاشتراك" أو Subscription Trap، حيث يجد المستخدمون صعوبة في إلغاء اشتراكاتهم رغم رغبتهم بذلك.
وكشفت دراسة لـ CPRC عام 2024 أن نحو نصف الأستراليين يقضون وقتاً أطول من المتوقع لمحاولة إلغاء اشتراكاتهم، بينما 10% منهم يتراجعون تماماً عن الإلغاء بسبب صعوبة العملية.
تقول غوبتا: "لقد صُممت هذه الأنظمة لتحقيق الربح لا راحة المستخدم، وهذا يعني أنك تبقى مشتركاً لفترة أطول مما تريد."
وأضافت: "نطلق عليه تأثير فندق كاليفورنيا يمكنك تسجيل الخروج في أي وقت، لكنك لا تستطيع المغادرة أبداً."
أقل استهلاك.. وميل أكبر للحياة خارج الشاشات
المثير أن هذا الارتفاع في الإنفاق لا يعكس زيادة في الاستخدام.
فوفقاً لتقرير ديلويت، أمضى الأستراليون ساعتين ونصف أقل في استهلاك المحتوى الإعلامي والترفيهي مقارنة بعام 2024، ليبلغ المتوسط الأسبوعي 42 ساعة و45 دقيقة فقط.
كما تراجع الوقت المخصص لبث الفيديوهات، بينما قال بيتر كوربيت، الشريك التنفيذي في ديلويت أستراليا، إن: "الوقت الذي يقضيه الأستراليون في استهلاك المحتوى انخفض للسنة الثانية على التوالي، مع اتجاه متزايد نحو الأنشطة الواقعية أو كما نقول: بدأ الأستراليون يتعلمون لمس العشب أي إعادة التوازن بين الحياة الرقمية والحياة الواقعية."
وأشار كوربيت إلى أن السبب ربما يعود إلى تشبّع المستهلكين من الشاشات بعد جائحة كوفيد-19، واتجاههم نحو الأنشطة الاجتماعية والترفيه الواقعي.
تراجع في التصفح.. واهتمام متزايد بالإبداع
لم يقتصر الانخفاض على خدمات البث، بل شمل أيضاً مواقع التواصل الاجتماعي، إذ انخفض الوقت الأسبوعي الذي يقضيه الأستراليون على هذه المنصات إلى خمس ساعات و20 دقيقة فقط أي انخفاض بنسبة 16% مقارنة بعام 2024.
وسجل جيل الطفرة السكانية (Boomers) أكبر تراجع بنسبة 27%، بينما قلّ استخدام جيل زد (Gen Z) والجيل الألفي (Millennials) بنسبة 14%.
ورغم ذلك، ازداد الإقبال على صناعة المحتوى الرقمي، حيث أظهر التقرير أن واحداً من كل خمسة أستراليين يفكر في أن يصبح منشئ محتوى، بدوافع تتعلق بالدخل والتعبير الإبداعي وبناء المجتمع.
أما بين جيل زد، فارتفعت النسبة إلى 39%.
اشتراكات أكثر.. استخدام أقل
يبدو أن الأستراليين يدفعون اليوم ثمناً متزايداً لعالم رقمي يشتركون فيه أكثر مما يمتلكون.
ومع صعوبة الانفصال عن هذه الخدمات وارتفاع الأسعار، يتجلى ما يسميه الخبراء "تأثير فندق كاليفورنيا"عالم يمكنك دخوله بسهولة، لكن الخروج منه ليس بنفس البساطة.
شارك

