تناول اجتماع الخميس الذي استمر لأكثر من أربع ساعات في القصر الجمهوري، مضمون مذكرة حملها المبعوث الأميركي توم باراك الى المسؤولين اللبنانيين، تتضمّن خصوصا جدولا زمنيا وآلية لنزع سلاح الحزب الذي كان قبل المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، القوة السياسية والعسكرية الأكثر نفوذا في لبنان.
وأعلن وزير الإعلام بول مرقص بعد انتهاء الاجتماع الموافقة على المقدمة الواردة في الورقة الأميركية، من دون التطرق الى البنود المتعلقة بالمراحل الزمنية لنزع السلاح.
وتضمّ المقدمة 11 نقطة، تحت عنوان "الأهداف"، ينصّ أبرزها على "ضمان ديمومة وقف الأعمال العدائية" بين لبنان واسرائيل، و"الانهاء التدريجي للوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها حزب الله، في كافة الأراضي اللبنانية"، إضافة إلى نشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية والمواقع الداخلية الأساسية، وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التي تقدّمت إليها خلال الحرب.

In this photo, released by the Lebanese Presidency press office, Lebanese president Joseph Aoun, centre, leads a Cabinet meeting which supposed to discuss the disarmament of Hezbollah, at the presidential palace in Baabda, east of Beirut, Lebanon, Thursday, Aug. 7, 2025. (Lebanese Presidency press office via AP) Credit: Lebanese Presidency Press Office/AP
وقال مرقص إن الحكومة تنتظر "الخطة التنفيذية" التي كلّفت الجيش إعدادها قبل نهاية الشهر الحالي لحصر السلاح بيد القوى الشرعية، قبل أن تشرع في بحث وإقرار بنود الورقة الأميركية التي يرتبط تطبيقها "بموافقة كل دولة من الدول المعنيّة بالالتزامات الواردة فيها".
وتلحظ الورقة مرحلة لاحقة لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وبين لبنان وسوريا، ثم مرحلة تثبيت كل ذلك بمسار دبلوماسي لإعادة إعمار لبنان. وتشير الورقة كذلك إلى ضمانات أميركية وفرنسية في حال تمّ تنفيذ المطلوب من لبنان.
وفي منشور على منصة إكس، هنّأ باراك السلطات اللبنانية على "القرار الجريء والتاريخي والصائب" الذي اتّخذته هذا الأسبوع لناحية "البدء بالتنفيذ الكامل لاتفاق وقف الأعمال العدائية" الذي أنهى الخريف الماضي الحرب بين حزب الله وإسرائيل بوساطة أميركية، ونصّ على حصر حمل السلاح بستة أجهزة أمنية وعسكرية رسمية.
"تصحيح الخطأ"
واستبق الوزراء الشيعة انتهاء الجلسة بالانسحاب منها، اعتراضا على عدم تراجع الحكومة عن قرارها بسحب السلاح بحلول نهاية العام، وفق ما أوردت قناة المنار التلفزيونية التابعة للحزب، وبعد رفضهم النقاش في ورقة باراك.
وتضمّ الحكومة خمسة وزراء شيعة، اثنان منهم محسوبان على حزب الله واثنان على حليفته حركة أمل، إضافة إلى الوزير فادي مكّي الذي اختاره رئيس الجمهورية جوزاف عون، لكنّه انسحب أيضا من الجلسة الخميس.
وقالت وزيرة البيئة تمارا الزين المحسوبة على حركة أمل، إثر انسحابها لقناة المنار "تمنّينا أولا تثبيت وقف إطلاق النار.. والانسحاب الإسرائيلي على أن نستكمل بقية النقاط".
وكانت كتلة حزب الله البرلمانية دعت الحكومة إلى "تصحيح ما أوقعت نفسها ولبنان فيه من الانزلاق إلى تلبية الطلبات الأميركيّة التي تصبّ حكما في مصلحة العدو الصهيوني".
وليل الخميس، جاب المئات من مناصري حزب الله على دراجاتهم النارية أحياء عدة في ضاحية بيروت الجنوبية، معقل الحزب، رافعين راياته الصفراء، احتجاجا على قرار الحكومة، وفق ما أفاد مصورو فرانس برس.
وتنقّل المحتجّون من مكان إلى آخر ضمن مجموعات، في حين اتّخذ الجيش اللبناني تدابير أمنية مشددة ونفّذ انتشارا في مناطق عدّة للحفاظ على الأمن.
وأظهرت مقاطع فيديو بثتها وسائل إعلام محليّة خروج مسيرات مماثلة في عدد من المدن في جنوب لبنان وشرقه.
وهنّأ وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو لبنان على "القرار الشجاع والتاريخي" الذي اتّخذته بشأن سلاح حزب الله، معتبرا أنّ هذا القرار سيتيح لبلد الأرز "التقدم نحو السيادة الكاملة".
وفي منشور على منصة إكس، "رحّب" بارو بقرار صادر عن "دولة قوية، تحتكر القوة الشرعية، قادرة على ضمان حماية جميع الطوائف، وإعادة بناء بلد دمّرته الحرب والأزمة الاقتصادية، وضمان وحدة أراضيه ضمن حدود متّفق عليها مع جيرانه".
وفي لبنان الذي يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية، قد يفتح انسحاب الوزراء الشيعة الباب أمام المعارضين للتذرع بأن قرارات الحكومة المتخذة في غياب مكوّن طائفي رئيسي تخل بـ"الميثاقية".
وقبل الحرب الأخيرة مع إسرائيل، كان الحزب قادرا خلال الحكومات المتعاقبة على فرض القرارات الحكومية الكبرى أو تعطيل العمل الحكومي. لكنّ التنظيم المدعوم من طهران خرج منهكا من مواجهة مفتوحة خاضها العام الماضي مع إسرائيل، وقُتل خلالها عدد كبير من قادته ودُمّر جزء كبير من ترسانته.
وانعكس ذلك أيضا تراجعا لنفوذه في لبنان حيث كان يحتكر القرار السياسي الى حدّ بعيد منذ سنوات.
وعلى وقع ضغوط أميركية وخشية من توسيع إسرائيل ضرباتها المتواصلة على لبنان على رغم اتفاق وقف إطلاق النار، قررت الحكومة الثلاثاء "تكليف الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي" بيد ستة أجهزة أمنية وعسكرية، على أن يتمّ "عرضها على مجلس الوزراء قبل 31 من الشهر الجاري لنقاشها وإقرارها".
وأدرجت الحكومة قرارها الذي وصفه خصوم الحزب بأنه "تاريخي"، في إطار تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه بوساطة أميركية وأنهى الحرب بين حزب الله واسرائيل في 27 تشرين الثاني/نوفمبر. ونصّ على حصر حمل السلاح بالأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية الرسمية.
وسارع الحزب الأربعاء إلى رفض القرار، معتبرا أنّ الحكومة ارتكبت "خطيئة كبرى في اتخاذ قرار يُجرّد لبنان من سلاح مقاومة العدو الإسرائيلي" و"سنتعامل مع هذا القرار كأنَّه غير موجود".
"شبكة أنفاق محصّنة"
ورغم وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل شنّ ضربات على مناطق مختلفة في لبنان، وتقول إنها تستهدف بنى تحتية للحزب ومستودعات أسلحة وقياديين ناشطين ضدّها. وتتوعد بتوسيع نطاق عملياتها العسكرية في لبنان ما لم تنجح السلطات في نزع سلاح الحزب.
وأسفرت ضرباتها الخميس على شرق لبنان عن مقتل ستة أشخاص، وفق وزارة الصحة.
وأعلن المتحدث باسم القوة الدولية المنتشرة في جنوب لبنان أندريا تيننتي الخميس أن قواته بالتنسيق مع الجيش اللبناني "اكتشفت شبكة واسعة من الأنفاق المحصّنة" قرب الناقورة في المنطقة الحدودية.

epa12288033 Damage following an Israeli airstrike on Deir Seryan Town in the Marjayoun District, southern Lebanon, 07 August 2025. At least two people were killed, according to the Lebanese Ministry of Health. The strike targeted a heavy equipment complex in Deir Siryan, located south of the Litani River, resulting in the destruction of dozens of vehicles, a hangar and a maintenance workshop. EPA/STRINGER Source: EPA / STRINGER/EPA
وكانت المنطقة الحدودية معقلا لحزب الله الذي لم يخف حفره أنفاقا فيها لسلاحه ومقاتليه.
وفي حزيران/يونيو، أعلن سلام أن الجيش اللبناني فكّك منذ وقف إطلاق النار أكثر من 500 موقع ومخزن سلاح في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني (على بعد أربعين كيلومترا من الحدود).
نتانياهو: إسرائيل تريد "السيطرة" على غزة "لا حكمها"
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الخميس، أن إسرائيل "تعتزم" السيطرة على غزة ولكن "ليس حكمها"، وذلك قبيل اجتماع مجلسه الأمني المصغر لاتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية في الحرب على القطاع.
وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي ردا على سؤال عما إذا كانت بلاده تنوي السيطرة على كامل القطاع "نعتزم ذلك".
وأضاف "لا نريد الاحتفاظ (بغزة). نريد إقامة منطقة أمنية لكننا لا نريد حكمها".

Israeli Prime Minister and leader of Likud Party Benjamin Netanyahu during an extended faction meeting of the right-wing bloc members at the Israeli Knesset. Source: EPA
واعتبرت حركة حماس أنّ تصريحات نتانياهو وما "طرحه من مخططات لتوسيع العدوان على غزة يؤكّد أنه يسعى فعليا للتخلّص من أسراه والتضحية بهم، من أجل مصالحه الشخصية وأجنداته الأيديولوجية المتطرّفة".
ورأت حماس أن "هذه التصريحات تمثّل انقلابا صريحا على مسار المفاوضات" مشددة على أن "أي توسيع للعدوان على شعبنا لن يكون نزهة، بل سيكون ثمنه باهظا ومكلفا على الاحتلال وجيشه".
"يسير نحو فخ"
ونقل الإعلام الإسرائيلي عن مسؤولين مقربين من نتانياهو أنه يعتزم المضي قدما في التصعيد وتوسيع العملية العسكرية لتشمل مناطق مكتظة يُعتقد بوجود الرهائن فيها مثل مدينة غزة ومخيمات اللاجئين في وسط القطاع، على أن تستغرق العملية عدة أشهر وتتطلب استدعاء عدد كبير من قوات الاحتياط.
وقبيل الاجتماع المرتقب، برزت أصوات معارضة في صفوف كبار العسكريين إذ أعرب رئيس الأركان إيال زامير عن رفضه فكرة الاحتلال الكامل للقطاع قائلا إنها كمن "يسير بقدميه نحو فخ"، وعرض في اجتماع حضره نتانياهو خيارات أخرى.
لكن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أكد أن على الجيش الإسرائيلي تنفيذ أي قرارات تتخذها الحكومة في ما يتعلق بقطاع غزة.
وأكد زامير في تصريحات لاحقة أنه سيواصل التعبير عن موقفه "من دون خوف وبطريقة عملية ومستقلة ومهنية".
يحتل الجيش الإسرائيلي حاليا أو ينشط في حوالى 75 في المئة من مساحة قطاع غزة، ويقود معظم عملياته من مواقعه الدائمة في المنطقة على طول الحدود. ويقصف أينما يرى ذلك ضروريا.
35 قتيلا منذ فجر الخميس
وفي وقت تتسارع الأحداث والتكهنات بشأن ما ستؤول إليه الامور في قطاع غزة، تتواصل الضربات الإسرائيلية موقعة عشرات القتلى.
وأكد المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل مقتل 35 شخصا منذ فجر الخميس بينهم ثمانية من منتظري المساعدات.
وتركزت الضربات الإسرائيلية على غرب مدينة خان يونس في جنوب القطاع حيث سقط ما لا يقل عن 14 شخصا.
وأعلن الجيش الاسرائيلي أنه اعترض "مقذوفا" واحدا على الأقل أطلق من شمال غزة، فيما أعلنت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن إطلاق صاروخين باتجاه كيبوتس حدودي.

Destroyed buildings in the Gaza Strip are seen from a Jordanian Air Force C-130 plane during an airdrop of humanitarian aid for Palestinians, Thursday, Aug. 7, 2025. (AP Photo/Raad Adayleh) Source: AP / Raad Adayleh/AP
وأدى هجوم حماس على الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 والذي أشعل الحرب، إلى مقتل 1219 شخصا في إسرائيل، معظمهم من المدنيين، وفقا تعداد لوكالة فرانس برس يستند الى بيانات رسمية.
وتردّ إسرائيل مذاك بعملية عسكرية أسفرت عن مقتل 61258 شخصا على الأقل، غالبيتهم من المدنيين، بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، وهي أرقام تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.
99 حالة وفاة بسبب سوء التغذية
تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطا متزايدة لإنهاء الحرب في غزة، وسط تزايد القلق من الأزمة الإنسانية وغضب في أوساط الإسرائيليين بشأن مصير الرهائن المتبقين.
ومن أصل 251 رهينة احتجزوا خلال هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، ما زال 49 داخل القطاع، بينهم 27 تقول إسرائيل إنهم لقوا حتفهم.
وأبحرت الخميس قوارب تقل عائلات الرهائن قبالة سواحل غزة للمطالبة بالإفراج عنهم، وفق صحافي في فرانس برس.
ونقلت قوارب أكثر من 20 شخصا يحملون رايات صفراء وصورا للرهائن هاتفين بأسمائهم. وقال المنظمون إن أقارب الرهائن أرادوا "الاقتراب قدر الإمكان من أحبائهم" المحتجزين منذ العام 2023.
وفي تحد داخلي آخر لنتانياهو، دعا اليهود المتشددون في اسرائيل إلى التحرك ضد الخدمة العسكرية الإلزامية، التي يُعفى منها معظمهم حاليا، وتنوي الدولة فرضها عليهم. وتظاهر مئات منهم الخميس في القدس.
وارتفعت حدة الانتقادات الدولية لإسرائيل في الأسابيع الأخيرة نتيجة تواصل معاناة أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، بعد تحذيرات الأمم المتحدة من مجاعة بدأت تتكشف في القطاع.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية الخميس أن 99 شخصا لقوا حتفهم بسبب سوء التغذية في قطاع غزة منذ بداية العام بينهم 29 طفلا دون الخامسة.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس إنه "من المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من العدد الفعلي".
فرضت إسرائيل في الثاني من آذار/مارس الماضي حصارا مطبقا على قطاع غزة، ومنعت دخول أي مساعدات أو سلع تجارية، ما تسبب بأزمة إنسانية.
وفي أواخر أيار/مايو عادت وسمحت بدخول كميات محدودة من الطعام تولت توزيعها مؤسسة غزة الإنسانية التي تمولها إسرائيل وواشنطن وترفض وكالات الأمم المتحدة التعامل معها.
ثم سمحت قبل أسبوع بدخول شاحنات يقل عددها كثيرا عن الاحتياجات اليومية المقدرة بنحو 600 شاحنة. كما استأنف الأردن تنظيم عمليات إلقاء رزم المساعدات من الجو بمشاركة عدة دول.

Palestinians rush to collect humanitarian aid airdropped by parachutes into Gaza City, northern Gaza Strip, Aug. 7, 2025. (AP Photo/Jehad Alshrafi) Source: AP / Jehad Alshrafi/AP
وقال "ما يدخل قطاع غزة من شاحنات هي اعداد قليلة من 70-80 شاحنة يوميا ضمن اصناف محددة".
وأوضح أنه خلال الأيام القليلة الماضية، دخلت ما بين 50 و60 شاحنة مخصصة للقطاع الخاص لأول مرة منذ شهور.
من جهته، أفاد محمود وافي (38 عاما) الذي نزح من شرق خان يونس إلى المواصي "سمعت أن الأسعار انخفضت قليلا في الأسواق، لكن ما زالت تعتبر مرتفعة جدا بالنسبة الى سعرها الطبيعي".
وأوضح أنه اشترى "خمسة كيلوغرامات من الطحين بـ100 شيكل (حوالى 29 دولارا) بعد أن كان الكيلوغرام الواحد يباع بـ70-100 شيكل".
لكنه أكد أن الكميات المتوافرة "لا تكفي جميع المواطنين".