فيضانات نادرة... ولكنها الآن أصبحت حقيقة
بحسب "Natural Hazards Research Australia"، تشهد بعض مناطق نيو ساوث ويلز حالياً فيضانات مصنّفة ضمن ما يُعرف بـ"الفيضانات التي تحدث مرة كل 500 عام"، وهي عبارة عن تقدير إحصائي لاحتمالية وقوع فيضان بهذه الشدة، أي أن هناك احتمالاً بنسبة 0.2% لوقوعه في أي سنة معينة.
لكن هذا لا يعني أن مثل هذا الحدث لن يتكرر قبل مرور خمسة قرون، كما يوضح الدكتور أندرو كينغ، أستاذ مشارك في علوم المناخ في جامعة ملبورن، والذي قال: "الناس يعتقدون أن فيضاناً يُوصف بأنه يحدث كل 500 عام يعني أننا لن نراه مجدداً خلال حياتنا، لكن الحقيقة أن هذه التقديرات تعتمد على الإحصاء وليس اليقين، ويمكن أن تحدث فيضانات عدة من هذا النوع خلال فترة زمنية قصيرة، ثم تغيب لسنوات طويلة."

NSW Police used a helicopter to rescue residents from their rooftops as floodwaters submerged their houses in Taree on the NSW mid-north coast. Source: AAP / Sam Halloran
تكرار الفيضانات.. ماذا يحدث فعلاً؟
شهدت أستراليا خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الفيضانات الشديدة، ففي عام 2021 وصفت رئيسة حكومة نيو ساوث ويلز آنذاك، غلاديس بريجيكليان، فيضانات المنطقة بأنها "فيضانات تحدث كل 100 عام". وفي عام 2022، سجّلت مدينة "ليسمور" في الشمال الأقصى من الولاية فيضاناً وصل منسوبه إلى 14.4 متر، وهو ما يُقارب ما يعرف بفيضان "يحدث مرة كل 100 ألف عام"، قبل أن ينخفض منسوب النهر خلال أيام قليلة إلى مستوى يعادل فيضانات تحدث كل 10 أو 100 عام فقط.
هذا التباين السريع يُظهر كيف أن بيانات الأرصاد، التي تستند عادة إلى سجلات لا تتجاوز قرناً من الزمن، قد تكون غير كافية لتحديد التكرار الحقيقي لهذه الأحداث.
ما العوامل التي تحدّد احتمال وقوع الفيضانات؟
تقول هيئة الأرصاد الجوية الأسترالية (BoM) إن الفيضانات لا تعتمد فقط على كمية الأمطار، بل أيضاً على مدة الهطول، ومدى تشبّع الأرض بالماء قبل بدء الأمطار. ففي المناطق التي تشهد أمطاراً متواصلة، تزداد فرص حدوث الفيضانات حتى مع هطول كميات أقل من المطر.
كما أن ظاهرة "لانينيا" المناخية تلعب دوراً كبيراً في زيادة فرص الأمطار في الساحل الشرقي لأستراليا، حيث توقعت الهيئة أن يكون موسم الأمطار بين نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو 2025 أعلى من المعدل بنسبة 90%.
هل أصبحنا نواجه فيضانات أكثر؟
يؤكد الخبراء أن هناك دلالات متزايدة على تكرار العواصف القصيرة وشديدة الهطول، ما يزيد من احتمالات السيول والفيضانات المفاجئة، خصوصاً في سياق تغيّر المناخ العالمي.
يقول الدكتور كينغ:
"نتوقّع أن تصبح الفيضانات الناتجة عن أمطار غزيرة خلال فترات قصيرة أكثر شيوعاً، لاسيّما مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، حيث إن الهواء الدافئ يحمل كميات أكبر من الرطوبة، ما يؤدي إلى هطولات أكثر كثافة في أوقات أقل".

A slow-moving trough is dumping rain along the east coast of Australia, leaving thousands of people stranded. Source: AAP / Lindsay Moller
معاناة مستمرة في المناطق المنكوبة
في مدينة "تاري" الواقعة على الساحل الشمالي الأوسط، وصف السكان عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجربتهم مع الفيضانات بـ"الكارثة المتكررة"، حيث كتب أحدهم:
"فيضان 2021 كان بمثابة تمرين تحضيري لما نعيشه اليوم... الشوارع غارقة بالكامل، والجسر الرئيسي الشهير (جسر مارتن) غمرته المياه للمرة الأولى، ولا توجد أي طريق سالكة للدخول أو الخروج من المدينة."وقال آخر:
"فقدنا الاتصال بالهاتف المحمول لـ 24 ساعة، وانقطعت الكهرباء. لا نعرف ما إذا كان بإمكاننا مغادرة المدينة، فالمياه ما زالت تتدفّق من أعالي النهر. نحن محاصرون بكل معنى الكلمة".
بين التوصيف الإحصائي والواقع المتغيّر
توضح الفيضانات المتكررة في أستراليا أن التصنيفات الإحصائية مثل "فيضانات تحدث كل 500 عام" لا تعني بالضرورة أن هذه الكوارث نادرة فعلاً في المدى الزمني القصير، بل هي تقديرات احتمالية لا تأخذ بعين الاعتبار تغيّر المناخ المتسارع وتأثيراته على أنماط الهطول.
ومع تزايد شدة العواصف وتكرارها، بات من الضروري إعادة النظر في استراتيجيات إدارة الكوارث والتخطيط العمراني، لضمان قدرة المجتمعات على الصمود في وجه كوارث لم تعد نادرة كما كانت في الماضي.

Emergency-level warnings are in place in several NSW areas as water surges through communities, leaving tens of thousands of people isolated.