لكن بالنسبة لمن يعانون من فقدان الأسنان أو أمراض اللثة أو تسوّس مزمن، فإن الأمر يتجاوز الجوانب الجمالية إلى معاناة حقيقية تشمل الألم، وصعوبة النوم، واضطرابات في النطق أو تناول الطعام، فضلاً عن الوصمة الاجتماعية التي ترافق هذه الحالات.
وصمة اجتماعية متجذّرة
تُعدّ صحة الفم في المجتمعات الحديثة مؤشراً ضمنيّاً على المكانة الاجتماعية والاقتصادية. فقد ربطت دراسات عديدة بين مظهر الأسنان وبين تصورات الناس عن الذكاء والجاذبية والمكانة.
في دراسة بريطانية أُجريت عام 2010، عرض الباحثون صوراً لأشخاص تم تعديلها رقمياً لإظهار مستويات مختلفة من تسوّس الأسنان. والنتيجة كانت واضحة: كلّما زادت علامات التلف في الصورة، قلّت تقييمات المشاركين للشخص من حيث الثقة بالنفس والسعادة والقدرات الاجتماعية.
وفي أستراليا، أظهرت دراسة حديثة شملت 4476 طفلاً أن فقدان الأسنان بسبب التسوّس أو الإصابات شائع نسبياً، ويؤثر على طفل من بين كلّ عشرة، كما يزيد احتمال تعرّضه للتنمّر بنسبة 42%.
هذه التجارب المبكرة تترك آثاراً نفسية عميقة، قد تجعل الطفل أو البالغ لاحقاً أكثر خجلاً أو عزلة، وأقلّ إقبالاً على طلب العلاج خوفاً من الإحراج أو اللوم.
الرعاية السنية… رفاهية لا يقدر عليها الجميع
رغم أن أمراض الفم مثل التسوس والتهاب اللثة شائعة في أستراليا، إلا أن الوصول إلى الرعاية السنية لا يزال محدوداً. فبرنامج "Child Dental Benefits" الحكومي يغطي فقط الأطفال دون سن 17 عاماً من الأسر المستفيدة من الدعم الاجتماعي، بينما يعاني كبار السن من قوائم انتظار طويلة في النظام العام.
هذا الواقع يجعل الرعاية السنية غير متاحة أو غير ميسورة التكلفة للكثيرين، ما يؤدي إلى تفاقم المشكلات الصحية والنفسية المرتبطة بها.
انعكاسات تتجاوز الألم الجسدي
تؤكد الأبحاث أن تدهور صحة الفم لا يهدد فقط القلب أو الأوعية الدموية، بل يؤثر كذلك على نمط الحياة بأكمله. فالألم الناتج عن التسوّس أو الالتهابات يجعل المرضى أكثر عرضة للتغيب عن العمل أو المدرسة، ما يؤدي إلى خسائر اقتصادية وتعليمية طويلة المدى.
وفي حالات كثيرة، يضطر الأهالي إلى ترك وظائفهم مؤقتاً لمرافقة أبنائهم إلى طبيب الأسنان، بينما تتراكم الضغوط المالية بسبب كلفة العلاج الباهظة.
وقد دفعت هذه الأزمة بعض الأستراليين إلى سحب أموال من صناديق التقاعد الخاصة بهم لتغطية نفقات علاج الأسنان، في مشهد يعكس عمق المشكلة الاجتماعية والاقتصادية.

Research shows when people are in pain from tooth decay they are more likely to take days off work and school. Source: Getty / ArtistGNDphotography
ما الحل؟
أظهرت دراسة أجريت هذا العام أن 96% من البالغين في أستراليا يعتبرون الرعاية السنية جزءاَ أساسياً من الرعاية الصحية. ومع ذلك، تظلّ العوائق المالية حجر عثرة أمام كثيرين، خصوصاً من ذوي الدخل المحدود أو ذوي الاحتياجات الخاصة.
يرى الباحثون أن الحل لا يقتصر على خفض كلفة العلاج، بل يجب أن يمتد إلى معالجة الأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلى تدهور صحة الفم، مثل الفقر، وسوء التغذية، والإجهاد المزمن، والاستهلاك المرتفع للسكريات والكحول والتبغ.
فما لم تُعالج جذور هذه العوامل، ستبقى أمراض الفم وأسنان الفقراء وصمةً تعكس التفاوت الاجتماعي أكثر مما تعبّر عن الإهمال الفردي.