في قلب أرض جولكولا النائية بشمال شرق أرنهيم لاند، يتجدد في كل عام لقاء ثقافي فريد من نوعه يجمع بين الطقوس، المجتمع، والنقاش الوطني. إنه مهرجان غارما ، أكبر تجمع ثقافي للشعوب الأصلية في أستراليا، وأحد أبرز المنصات الوطنية لمناقشة قضايا السكان الأصليين.
ينظم المهرجان في أرض الجوماتج (Gumatj) بالقرب من مدينة نهولنبوي (Nhulunbuy) في الإقليم الشمالي، ويُشرف عليه "مؤسسة يوثو ييندي" (Yothu Yindi Foundation). منذ انطلاقته عام 1999، يسعى المهرجان إلى الاحتفاء بثقافة شعب يولنغو ومشاركتها مع المجتمع الأوسع في أستراليا.
مديرة المؤسسة، دينيس بودن، تؤكد أن المهرجان لم يُؤسَّس فقط لحماية تراث يولنغو الثقافي، بل أيضًا ليكون منبرًا وطنيًا للنقاش والقيادة الفكرية المستندة إلى مرجعية ثقافية. وتقول:
"الإخوة يونوبينغو أرادوا أن يكون غارما مكانًا للنقاش الجاد، لتجريب السياسات وتقديم أنظمة المعرفة التقليدية، ومحفزًا للأفكار الجديدة والتفكير المتجدد".
احتفاء حي بالثقافة
في الهواء الطلق، يختبر المشاركون تجربة ثقافية متكاملة تشمل الرقص التقليدي (بونغل)، الغناء (مانيكا)، والفنون البصرية (مينيتجي).
تتخلل المهرجان أيضًا جلسات لرواية القصص وتبادل المعارف بين الأجيال، ما يجعل منه حدثًا غامرًا يجمع بين المشاهدة والتعلم والاستماع.
تصف تانيا دينينغ-أورمان، مديرة المحتوى السكاني الأصلي في SBS، المهرجان بأنه لحظة وطنية مهمة، مضيفة:
"كل عام، يفتح شعب يولنغو قلوبه وأرضه لأكثر من 2500 شخص في جولكولا، ويسعدنا في SBS أن ننقل هذه الدعوة لكل الأستراليين من خلال تغطيتنا الشاملة".
جاءت النسخة الأولى من المهرجان عام 1999 بمبادرة من عائلة يونوبينغو، بهدف حماية المعرفة الثقافية التي خشي الشيوخ من اندثارها. وتم اختيار موقع جولكولا لرمزيته الروحية، حيث يُعتقد أنه المكان الذي أدخل فيه السلف "غانبولابولا" آلة "يدّاكي" (الديدجيريدو) إلى حياة اليولنغو.
الدكتور الراحل غالاروي يونوبينغو، أحد أبرز زعماء الحقوق الأرضية ومؤسسي مؤسسة يوثو ييندي، لعب دورًا محوريًا في جعل غارما منصة تدمج بين القوة الثقافية والدعوة السياسية ، إرث ما زال يرسم ملامح المهرجان حتى اليوم.
من المقرر أن يُقام مهرجان غارما 2025 بين 1 و4 أغسطس في جولكولا، المطلة على خليج كاربنتاريا. ويصادف هذا العام الذكرى الخامسة والعشرين للمهرجان، تحت شعار: "قانون الأرض: الثبات والصمود" بلغة يولنغو: "Matha, Rom ga Waŋa Wataŋu".

Gamatj kids at the opening ceremony to Garma Source: Supplied
ستكون SBS وNITV الشريكين الإعلاميين الرسميين، حيث تُقدم تغطية حية ويومية للمهرجان عبر التلفزيون والإذاعة والمنصات الرقمية، مما يسمح للجمهور في جميع أنحاء البلاد بالانخراط في فعاليات المهرجان.
رغم طابعه الثقافي، يوفّر غارما أيضًا منبرًا عالي المستوى للنقاشات السياسية، حيث يشارك فيه زعماء السكان الأصليين، صناع القرار، أكاديميون، ورجال أعمال لمناقشة قضايا مثل المصالحة، المعاهدات، التعليم، التنمية الاقتصادية، وحقوق الأرض.
يلعب غارما دورًا تعليميًا مهمًا، إذ يساعد الأستراليين على فهم أعمق لثقافة يولنغو، ويضمن استمرارية هذه الممارسات وانتقالها للأجيال القادمةدينيس بودن
من يحضر غارما؟
يشارك في المهرجان شريحة واسعة من المجتمع: من الشيوخ والشباب، إلى الفنانين والسياسيين والإعلاميين والمعلمين. بعضهم يأتي للفن والموسيقى، وآخرون للنقاش الجاد. الجميع مدعو للحضور بروح الاحترام والتعلم.
ورغم اتساع نطاق المهرجان على مدار 25 عامًا، إلا أن هدفه الجوهري لم يتغير: الاحتفاء بثقافة يولنغو، وصون المعارف التقليدية، ودعوة الآخرين للسير جنبًا إلى جنب في درب التعلم والاحترام المتبادل.