زواج أقل وطلاق أقل
تشير البيانات إلى أن الأستراليين يتزوجون وينفصلون بمعدلات أقل مقارنة بالماضي، كما ينجبون عدداً أقل من الأطفال في ظل تنامي الضغوط الاقتصادية. وتظهر الإحصاءات أن متوسط عمر الطلاق ارتفع إلى سبعة وأربعين عاماً للرجال وأربعة وأربعين عاماً للنساء، وهو ما يرتبط بارتفاع سن الزواج وزيادة مدة استمرار الحياة الزوجية. فمنذ عام 2019، ازدادت مدة الزواج قبل الانفصال بنحو ثمانية أشهر، وبنحو أحد عشر شهراً قبل الطلاق الرسمي، وهو تغير سريع يُعزى إلى تأثيرات جائحة كورونا وما تلاها.
إلا أن هذه الزيادة في مدة الزواج لا تعني بالضرورة تحسن مهارات الأزواج في تجاوز الخلافات، بل ترتبط غالباً بعوامل اقتصادية تدفع الأزواج للبقاء معاً فترة أطول. كما أصبحت تجربة الحياة المشتركة قبل الزواج أكثر شيوعاً، ما يسمح للأزواج باختبار العلاقة قبل الإقدام على الزواج الرسمي.

The "faults" that prompted divorce in the 1950s included drunkenness and non-consummation. Source: The Conversation / ABS Year Book for Australia 1956
رغم أن الزواج لا يزال يحافظ على مكانته في المجتمع الأسترالي، فإن طابعه تغير بشكل واضح. فمنذ أواخر التسعينيات، تراجعت سيطرة المؤسسات الدينية على مراسم الزواج، حيث تم في عام 2023 إبرام أكثر من ثلاثة وثمانين في المئة من الزيجات على يد موثقين مدنيين. كما انخفض معدل الزواج إلى 5.5 زيجات لكل ألف شخص في 2024، مقارنة بثلاثة عشر زواجاً لكل ألف شخص عام 1971.
وبينما كان واحد وتسعون في المئة من المواليد في 1971 لأبوين متزوجين، انخفضت النسبة إلى ستين في المئة فقط في 2023.
الخيارات تتسع… والقيود تزداد
تتزايد حرية الأستراليين في اختيار الدخول في علاقة أو البقاء خارجها، إلا أن القرارات المتعلقة بإنجاب الأطفال أصبحت أكثر تقييداً بفعل تكاليف المعيشة. فقد ارتفعت نسبة النساء اللواتي لا ينجبن طوال حياتهن من 8.5% عام 1981 إلى 16.4% عام 2021، فيما انخفض معدل الخصوبة إلى أدنى مستوياته مسجلاً 1.5 مولود لكل امرأة.
ويرى الباحثون أن ارتفاع تكاليف السكن، والضغوط الاقتصادية، والفجوة بين الجنسين، إضافة إلى المخاوف من تغير المناخ، تجعل حلم تكوين أسرة كبيرة بعيد المنال لكثيرين.
تكاليف الطلاق وحلول مبتكرة
يبدأ الحد الأدنى لتكاليف الطلاق في أستراليا من نحو عشرة آلاف دولار، ما يدفع الأزواج للبحث عن حلول أقل تكلفة وأكثر توافقاً، خاصة عند وجود أطفال، حيث تشمل أربعاً وأربعين في المئة من حالات الطلاق أُسراً لديها أبناء. ومن بين الحلول الجديدة ما يُعرف بـ"التعشيش التبادلي"، حيث يبقى الأطفال في المنزل العائلي ويتناوب الوالدان على الإقامة فيه.
كما يختار بعض الأزواج المنفصلين ما يُعرف بـ"العلاقة مع سكن منفصل" (LAT)، وهي أسلوب حياة يسمح باستمرار العلاقة مع الحفاظ على استقلال السكن، وهي صيغة شائعة بين الآباء والأمهات بعد الطلاق.
لكن في ظل ارتفاع تكاليف الإسكان، قد يضطر بعض الأزواج للبقاء معاً تحت سقف واحد رغم الانفصال، وهو وضع قد يفاقم التوترات داخل الأسرة.
تحولات اجتماعية تحتاج إلى سياسات جديدة
تؤكد هذه المؤشرات أن الأسرة الأسترالية تمر بمرحلة تحوّل كبيرة، تتسم بتنوع أنماط العلاقات وتغير الأولويات. ويرى الخبراء أن السياسات الاجتماعية يجب أن تواكب هذه التحولات، خاصة في ظل ضغوط المعيشة التي لا تؤثر فقط على الأزواج المنفصلين، بل على استقرار الأسر عموماً.