عشرون عاماً مرت على هجمات أذهلت العالم وأخذته على حين غفلة. أربع طائرات مدنية اختُطفت، وأرواح الآلاف أُزهقت ، ودُمرت حينها مَبانٍ حكومية ومعالم مُهمة في أكبر المدن الأمريكية مثل نيويورك وواشنطن.
كانت تلك مشاهد للحدث الجلل الذي غيَّر مسار التاريخ الحديث للأبد. ولايزال العالمُ يشهد تداعياته إلى اليوم.
النقاط الرئيسية:
- قادة الجالية يطالبون الحكومات الأسترالية بفرض عقوبات أكثر صرامة على الهجمات المعادية للإسلام.
- أثرت الحادثة على الجالية كثيراً ولاتزال تعاني بعد عشرين عاماً من حدوثها.
- حتى العرب غير المسلمين تعرضوا للعنصرية بسبب ملامحهم الشرق أوسطية.
إنها أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١، التي دفعت بالقوات الأمريكية إلى التحرك مع حلفائها ومنهم أستراليا نحو أفغانستان، حيث مقرُّ منظمة القاعدة التي يُعتقد أنها كانت الرأس المُدبر والمُخطط لتنفيذ الهجمات.
رغم الدمار المادي والمعنوي الذي خلفته هذه الأحداث، كانت هناك تداعياتٌ اجتماعية وثقافية، أثَّرت على حياة الناس في أكثر من بلد ومنها أستراليا.
أس بي أس عربي24 تتناول في تقريرها التوثيقي أثر اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ الإرهابية، على حياة العرب والمسلمين وكل من لديه ملامح شرق أوسطية يعيش في أستراليا.
فكيف ساهمت وصمة العار التي خلّفتها هذه الهجمات على أبناء الجالية العربية، وحولتهم إلى نقاط استهداف للعنصرية، ومشتبهٍ بهم وإرهابيين مفترضين؟
أجرت أس بي أس عربي24 لقاءات مع ناشطين فاعلين في الجالية العربية والمسلمة في استراليا، حيث رصدت معهم الواقع في تلك الأيام، وانعكاس تلك الحادثة على المجتمع الأسترالي، ومجهود أبناء الجالية للدفاع عن صورتهم الصحيحة كمواطنين أستراليين، وإصلاح الخلل الذي أحدثته بعض التصرفات في المجتمع الأسترالي على أبناء الجالية الشباب، مما أحدث شرخاً أو حالة من عدم التوازن عن هويتهم وانتمائهم في استراليا.

The twin towers of the World Trade Center burn in New York. Source: AP
فحياة هؤلاء تغيرت أو تأثرت بشكل أو بآخر منذ ذلك التاريخ.
رولاند جبور رئيس المجلس العربي الأسترالي يذكر ردود فعل المجتمع الأسترالي بعد ذلك التاريخ فقال:" لا شك كان حدثاً صادماً، كان له وقعاً رهيباً على كل المستويات وبالتحديد المحلي في استراليا وعلى الجالية العربية بشكل خاص".
في كوينزلاند، قالت جليلة عبد السلام رئيسة جمعية المرأة المسلمة :

Rescue workers sift through the wreckage of the World Trade Center September 13, 2001. Source: Getty Images North America
" كان أول رد فعل رأيته من جيران المركز الذي نعمل به في الجمعية، حيث كانوا يصرخون بصوت عال قائلين:" أُخرجوا من هنا وعودوا من حيث أتيتم".
هذه التصرفات جاءت كشرارة للتحيُّز عمَّقها الإعلام العالمي من خلال تنميط المسلمين كأشخاص عنيفين أو غير حضاريين.
فيما قالت رندا قطان المديرة التنفيذية للمجلس العربي الأسترالي:
" أثرت هذه الحادثة علينا كثيراً ولا زلنا نكافح بعد كل ما حدث إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر وعلى مدى عشرين عاماً".

Arab Council of Australia CEO Randa Kattan. Source: AAP
عن ذلك قال جليلة عبد السلام:" إن المجتمع الأسترالي بنسبة95% يجهل ما هو الإسلام والمسلمين ويعتمد على آرائه من الإعلام، والخوف من أن تأتي المعلومات من جمعيات أو هيئات متطرفة فتشوش على الإسلام والمسلمين".

alila Abdel Salam, President of the Muslim Women's Association of Australia Source: supplied by: alila Abdel Salam
ووُصفت أحداثُ شغب كرونولا في سيدني في أستراليا في كانون الأول/ ديسمبر 2005 بأنها "عنصرية ضد العرب" من قبل قادة المجتمع المحلي وقال رئيس حكومة نيو ساوث ويلز حينها موريس إيما "إن العنف كشف عن الوجه القبيح للعنصرية في هذا البلد".
توضح رنده قطان قائلة: " هذه الأحداث جعلت شباب الجالية يشعرون باضطراب الهوية، فنحن منذ عشرين عاماً نعمل على تصليح ما خربته تلك الأحدث".
فيما قالت جليلة عبد السلام رئيسة جمعية المرأة المسلمة في أستراليا:" إن العنصرية مَخفيةٌ تحت القشرة، وكثير من أبناء الجالية يرون بعض التصرفات مثل أحداث كوفيد- 19 حيث تم إغلاق المناطق العربية، بينما مناطق مثل بونداي مفتوحة وتعيش حياة عادية، وهذا التصرف تقوله عنه جليلة تأثيره على الشباب ليس جيداً وهذا أمر مقلق في المستقبل".
ويُعتقد أن الحُكم المسبق والتحامل ضد العرب والمسلمين مصدره يعود لعدم انخراط المسلمين المهاجرين في المجتمع، فتم تصوير المسلمين ككارهين للنساء أو نساؤهم مظلومات، بينما الرجال فيميلون إلى الإرهاب.

A police officer tries to protect a man from being punched during the Cronulla riots. Source: AAP
رغم ذلك، وقعت المرأة المسلمة بشكل خاص ضحية العنصرية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر خاصة المحجبات منهن. فهن يحملن ديانتهن في حجابهن؛ فأصبحن ضحايا التنمر والعنف.
تتذكر مها عبدة رئيسة رابطة المرأة المسلمة سابقاً حادثتين منفصلتين حدثتا في سيدني:
" ألقى رجل عقب سيجارة مشتعلة داخل سيارة امرأة محجبة وأشعل النار داخلها"
. وحادثة أخرى لها شخصياً عندما كانت تقود سيارة (فان) تحمل مجموعة من البنات المحجبات لاحقهن رجل بسيارته في محاولة لإعاقتهن من الحركة في السيارة وكاد أن يتسبب بحادثة لهن". فما تسرد جليلة عبد السلام رئيسة جمعية المرأة المسلمة حادثة أخرى في كوينزلاند أن نساء تعرضن لنزع حجابهن على الطريق العام، وللشتم والإهانة والطرد من أماكن التسوق".
تعرضت الجالية العربية والمسلمة لعدد من الهجمات العنصرية شملت الاعتداءات على العرب أو المسلمين وممتلكاتهم كالمحلات التجارية. وتعرض المجتمع أيضاً للتعامل معه عن طريق الوصم كنتيجة سلبية لجهود مكافحة للإرهاب.
وتعبِّر رندا قطان عن ذلك " استغرق الأمر وقتاً طويلاً لإصلاح الوضع والتصور لدى الشرطة بطرق مباشرة وغير مباشرة".
وقال رولاند جبور:
تحدثنا مراراً مع الحكومة والجهات الرسمية بضرورة تصريحها بشكل واضح عن موقفها نحو وحدة المجتمع الأسترالي، والتحذير من أي عمل يستهدف أفراد الجالية.
ولم يقتصر التأثير السلبي على الجاليات المسلمة، بل طال أيضاً أي شخص يحمل ملامح عربية أو شرق أوسطية؛ فأبناء الجالية العرب غير المسلمين تعرضوا للعنصرية والاضطهاد.
مدحت عطية وهو من الجالية القبطية تعرض للعنصرية بسبب ملامحه نتيجة لذنبٍ لم يرتكبه وقال: " تعرضت لموقف عنصري منذ حوالي 15 عاماً، في موقف يصعب ذكره ولا أتمنى أن يحدث لأي أحد من أبناء الجالية. وأضاف:" لكن بالصبر والعزيمة حصلت على حقي ورددت اعتباري، لذلك أحمد الله أن هنا في أستراليا النظام والقانون يحمي المتعرضين للعنصرية من بعض من لا يحترمون القانون لمصالح شخصية، وقال معظم المهاجرين هربوا من العنصرية والاضطهاد ولا يريدون رؤيتها مرة أخرى في البلاد التي هاجروا إليها ورحبت بهم".

Maha Abdo from the Muslim Women's Association. Source: Virginia Langeberg/SBS News
في تقرير حقوق الإنسان وتكافؤ الفرص لسنة 2004 ذُكر أن أكثر من ثلثي المسلمين والعرب الأستراليين قالوا "إنهم عانوا من العنصرية أو خطاب كراهيةٍ منذ هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001 وأن 90% من النساء المشاركات في الدراسة قد عانين من الاعتداء العنصري أو العنف".
تقول جليلة عبد السلام:
"نساء بوسنيات اشتكين من تعرضهن للاضطهاد و العنصرية وكذلك بعض الصوماليات، وأعربن عن أسفهن أنهن هربن من اضطهاد بلدانهم الاصلية ليجدوا اضطهاد هنا من نوع آخر"
لكنها أوضحت أنه بعد إقامة كثير من الندوات التوعوية لدى المجتمع الأسترالي تعاطفت النساء، وبدأن بدعم المحجبات في وقفات تضامنية حيث ارتدين حجاباً أسوة بالمحجبات على اعتبار أن المحجبات هن جزء من المجتمع .
استغل العديد من السياسيين الأستراليين تلك الظاهرة لمصلحتهم وساهم هذا في التهميش والتمييز والإقصاء للمجتمع العربي والإسلامي. عن ذلك تقول رندا قطان" جو هاوارد والسياسيون الآخرون على مستوى الولايات لم يساعدوا أبداً، واستخدموا العنصرية للمصالح السياسية"
فيما أضاف رولاند جبور: " لسوء الحظ الحكومات الأسترالية لم تتعلم من هذه الدروس، فالإجراءات التي قامت بها الحكومات هي إجراءات رمزية بدون فحوى ولا مضمون وبدون مشاريع مستدامة ليصل المجتمع لمستوى من النضج وتفهم الثقافات والخلفيات الأخرى كجزء أساس في المجتمع الأسترالي".
ولكن، هل استطاعت الحكومات السابقة وما بعدها معالجة المسألة وتذويب رواسب هذه القضية في المجتمع الأسترالي يقول رولاند جبور

Chairman of the Australian Arabic Council Roland Jabbour. Source: Supplied
"التمييز العنصري موجود، والدليل يظهر بمجرد حدوث أي حدث ينتمي لفئة معينة، عندها تظهر على السطح؛ فمن ينتمي لهذه الفئة يتحمل المسؤولية. لذلك رسميا هذا الأمر يحتاج إلى إصدار القوانين والمتابعة". فيما أيدته رندا قطان وقالت:" تكون الأمور طبيعية إلى أن يحدث أمرٌ ما، عندها نرى العنصرية. ودائماً يُنظر للعرب على أنهم إرهابيون، ولعل أحداث نيوزلندا تثبت شيئاً من هذا".
مها عبده كان لها توجه آخر من حيث إنها مع أبناء المجتمع توجهن للسكان الأصليين لنقل الصورة الحقيقية لأبناء الجالية على اعتبار أن العرب والسكان الأصليين يتشاركون في الهم.
وبعد مرور عشرين عاماً على أحداث الحادي عشر من سبتمبر وانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان عاد الحكم مرة أخرى لحركة طالبان مما يطرح السؤال الكبير ما ذنب ضحايا هذا الصراع من أبناء الجاليات بسبب ذنب لم يترفوه؟
يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر هذا الرابط أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على أبل وأندرويد.