منذ أن غادر بغداد في أواخر السبعينيات، لم يتوقف المخرج المسرحي فاروق صبري عن مطاردة خشبة المسرح، كأنها قدر يسكنه ويسكنها.
في دمشق أسس فرقا مسرحية وشارك كبار المخرجين، وفي أوكلاند ابتكر تجربة "مسرح الكراج" حين قدّم أول مسرحية عربية في تاريخ نيوزيلندا.
ظل المسرح يرافقه مثل ظل لا يغيب، حتى وصل إلى ملبورن ليقدّم مسرحية "توحش" للكاتب العراقي علي عبدالنبي الزيدي ضمن مهرجان الثقافة العراقية في أستراليا، مؤكدا أن "هنا المسرح.. مسكون فيه ويسكنني".
وقال قال فاروق صبري إن اختياره لنص "توحش" جاء لأن الزيدي "من الكتاب العراقيين والعرب المهمين جدا"، موضحا أن نصوصه فازت بجوائز عدة وكتبها "بلغة مبتكرة وأفكار مغايرة"، معتبراً أن "النص قريب من البيئة العراقية ويخاطب هواجس وأحلام وخيبات الجمهور".
وذكر أن الممثلين فينا وياسر العاني شاركاه العمل في ملبورن، مشيرا إلى أنه بدأ البروفات معهما حتى قبل وصوله، كما سبق أن فعل مع أعماله في كندا.
وأكد أن "الموهبة والالتزام ميزا الممثلين الشابين وجعلا التجربة مثمرة".

فاروق صبري : ملبورن كمدينة كبرى تمثل أرضا خصبة للفعل المسرحي
وأوضح فاروق صبري أن "توحش" يسرد وجعا إنسانيا عاما، مبينا أن شخصيات العمل "تجسّد الألم العراقي لكنها في الوقت نفسه تعكس مشاكل يمكن أن يراها أي إنسان، حتى الجمهور الأسترالي".
وأشار إلى أن ملبورن كمدينة كبرى "تمثل أرضا خصبة للفعل المسرحي"، مؤكدا أن المسرح "يبقى وسيلة للتفاعل الإنساني المباشر رغم هيمنة الشاشة"، وأنه "قادر على تغيير الأفكار وإشعال النقاش".
ولفت فاروق صبري إلى أن ورشته "لوركا: شاعر ورسام وعازف بيانو" وُلدت من إحساس شخصي بالانحياز إلى الفقراء والمظلومين، مستذكرا طفولته في بيت طيني بكركوك، ومبينا أن لوركا "جسد هذا الإحساس وانتصر للمقهورين حتى دفع حياته ثمنًا لذلك".
فاروق صبري : مسرح الكراج في أوكلاند وُلد من الحاجة… وتحول إلى حدث استثنائي
ومضى إلى القول إن الورشة ليست تعليمية بقدر ما هي مساحة إبداعية وتطبيقية، مشيرا إلى أنه يختار مقاطع من نصوص لوركا ويشرك الممثلين في تقديم مشاهد قصيرة أمام الجمهور، كما فعل في ورشاته بتونس وعمّان والقاهرة.
واستعاد تجربة "مسرح الكراج" في نيوزيلندا، مبينا أنها بدأت حين عجز عن استئجار مسرح، فحوّل مرأب المنزل إلى فضاء مسرحي بديل.
وأكد أن "الفكرة تحولت إلى حدث استثنائي لفت الجمهور لأنه كسر المألوف وقدم العرض في مكان مغاير".
واستذكر صبري أعماله السابقة مثل "العربانة" للشاعر مظفر النواب و"أمراء الجحيم" و"مانيكانات"، واعتبر أن جميعها "قريبة من قلبه"، لكنه أقر بأن "العربانة" تمثل محطة استثنائية لأنه جسّد فيها شخصية بغدادية تركت أثرا عميقا في ذاكرته الفنية.
وخلص إلى القول إن "المسرح بالنسبة لي فضاء للتجريب ومطاردة لا تنتهي"، مضيفا أن "توحش ليست سوى حلقة في هذا المسار"، وختم مؤكدا أن الجمهور في ملبورن "سينتظر منه المزيد من المشاريع المقبلة، لأن المسرح عنده ليس مهنة بل حياة".
يمكنكم الاستماع للتقرير في التدوين الصوتي أعلاه.